تشهد التحركات الديبلوماسية الدولية حول سورية انطلاقة قوية، في ظل الأولوية المطلقة المشتركة لمكافحة الإرهاب، لكن مصالح الأطراف في هذا النزاع المعقّد متباعدة جداً، كما أن احتمالات إحراز تقدّم لا تزال ضعيفة. ويقوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بزيارة الى طهران الاثنين، في حين يتوجه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، الى واشنطنوموسكو الثلثاء والخميس. كما ستُجرى المناورات الديبلوماسية الكبرى حول سورية في قمة الأسبوع المقبل. وفي ظل تعثّر استمر أشهراً عدة، انطلقت المناقشات بين اللاعبين الرئيسيين في القضية في أيلول (سبتمبر)، مع التدخل العسكري الروسي في سورية، الذي أدى الى عقد اجتماعين دوليين في فيينا لإعادة إطلاق العملية السياسية في البلاد التي تمزقها حرب بدأت قبل أكثر من أربع سنوات، وأوقعت نحو 250 ألف قتيل. وتنفي فرنسا أن تكون تخلّت عن استراتيجيتها القائمة على «لا الأسد ولا داعش»، لكنها على رغم ذلك أكدت أن مكافحة التنظيم المتطرف تشكل أولوية مطلقة. وأعلن هولاند تكثيف الضربات الفرنسية في سورية والعراق، وسيلتقي الثلثاء في واشنطن الرئيس الأميركي باراك أوباما، والخميس بوتين في موسكو. وقال مصدر ديبلوماسي، أن «الفكرة تقضي باستخدام الوضع الراهن لزيادة الضغوط العسكرية على داعش مع تنسيق أفضل»، مضيفاً أن الضربات «تمنحنا صوتاً أقوى ودفعاً إضافياً للقول: هذا ما نطلبه الآن على الأرض». وأوضحت مصادر حكومية فرنسية، أن باريس التي رفضت طوال عام الانخراط في سورية باسم استراتيجيتها المذكورة أعلاه، ترى أنها باتت حالياً في موقف تطالب بموجبه بمزيد من المشاركة أكثر من حليفها الأميركي الكبير صاحب المواقف الخجولة جداً على الصعيدين السياسي والعسكري. أما بالنسبة الى زيارة هولاند الى موسكو، فإن هدفها أن «نرى فعلاً الى أين وصلنا مع الروس»، وفق أحد مصادره. وقررت باريس تقارباً غير مسبوق مع موسكو، بحيث بدأت الدولتان تنسيقاً عسكرياً في سورية، لكن انعدام الثقة لا يزال ماثلاً بالنسبة الى النوايا الحقيقية لروسيا. ولا تزال موسكو حتى تثبت العكس، الداعم المؤكد للرئيس بشار الأسد، وعلى رغم الضربات العسكرية الموجّهة الى حدّ كبير ضد المتطرفين منذ بضعة أيام، قال مصدر ديبلوماسي: «نريد التحقّق من عزم بوتين على ضرب داعش». مصير الأسد وسيزور الرئيس الروسي طهران الاثنين، في أول زيارة رسمية الى هذا البلد منذ عام 2007، ويلتقي أعلى سلطة في النظام، المرشد الأعلى علي خامنئي. وإيران داعم رئيسي آخر للنظام في دمشق، وتشارك في المناقشات الدولية في شأن حل النزاع، وقد تغير موقفها وفقاً لبعض المحللين. وقال كريم إميل بيطار، من «معهد الأبحاث الاستراتيجية الدولية»: «لن يكون أمراً سهلاً، لكن للمرة الأولى هناك بالتزامن عوامل يمكن أن تسفر عن حلحلة الأوضاع»، مشيراً الى مشاركة إيران في المحادثات والتقارب الفرنسي - الروسي. وأسفر الاجتماع الدولي الأخير حول سوريا في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) في فيينا، غداة اعتداءات باريس، للمرة الأولى عن اتفاق الغربيين والدول العربية من جهة وروسيا وإيران من جهة أخرى، على خارطة طريق وجدول زمني لعملية انتقال في سورية. حتى أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أظهر تفاؤلاً كبيراً، موضحاً أن سورية قد تبدأ عملية انتقال سياسي في «غضون أسابيع». وهذا التفاؤل سابق لأوانه، استناداً الى عدد من النقاط التي يتعين حلّها، أولاً وقبل كل شيء مسألة الأسد الذي نأى بنفسه أيضاً عن عملية فيينا. كما أن أوباما صرّح الخميس، بأن الحرب لا يمكن أن تنتهي من دون رحيل الأسد، لكن موسكووطهران تكرران باستمرار أن مصيره يبقى وقفاً على إرادة السوريين. ولا تزال هناك حاجة الى تحديد من سيشارك من المعارضة في المفاوضات. وقالت الباحثة ميريام بن رعد في «مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية»، أن «نظام الأسد قضى على بعض الشخصيات، وضمنهم علويون، كان يمكن أن تكون مفيدة في مرحلة انتقالية. لقد أوجد وضعاً معقداً».