شهدت العلاقات البريطانية - الإسرائيلية أمس بوادر أزمة شديدة بعدما أعلنت لندن طرد ديبلوماسي اسرائيلي وحمّلت الدولة العبرية مسؤولية تزوير جوازات بريطانية صحيحة استُخدمت في اغتيال القيادي في حركة «حماس» الفلسطينية محمود المبحوح في دبي في 19 كانون الثاني (يناير) الماضي. في موازاة ذلك، أعلنت النيابة الفرنسية انها فتحت تحقيقاً اولياً حول استخدام اربعة جوازات سفر فرنسية مزورة او استخدمت اسماء مزورة في قضية اغتيال المبحوح. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن بيان للنيابة الفرنسية ان التحقيق فتح في 12 آذار (مارس) الجاري في شأن التزوير واستخدام المزور وحيازة وثائق ادارية مزورة وانتحال اسم ثالث يمكن ان يؤدي الى ملاحقات جنائية. وكان لافتاً أن حكومة بنيامين نتانياهو لم تلجأ إلى الرد بإجراء مماثل ضد ديبلوماسي بريطاني، في مؤشر ربما إلى رغبتها في عدم التصعيد. وأبلغ وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند مجلس العموم بعد الظهر أن «وكالة الجريمة الخطيرة المنظّمة» (أحد الأجهزة الأمنية في بريطانيا) أبلغت وزير الداخلية آلان جونسون الأسبوع الماضي بنتائج التحقيقات التي أجرتها في شأن استخدام 12 جوازاً لبريطانيين يقيمون في إسرائيل في اغتيال المبحوح، وأن تقرير الوكالة رُفع إلى الحكومة. ولفت إلى أنه ل «أسباب قضائية وأسباب أخرى» لا يمكنه نشر التقرير، لكنه قال إن فحواه يؤكد أن «ليس هناك دليل يوحي بأن أياً من هؤلاء الأشخاص (البريطانيين الذين استُخدمت جوازاتهم) قام باي دور سوى كونه ضحية لعملية سرقة هويته». وشدد على أن بريطانيا لم يكن لديها أي معلومات مسبقة عما حصل في دبي ولم تتورط في أي شكل من الأشكال في قتل المبحوح. وأوضح أن الجانب الإسرائيلي لبّى كافة طلبات المحققين البريطانيين الذين خلصوا إلى أنه تم نسخ الجوازات الحقيقية للبريطانيين بعدما سلّموها ل «أشخاص مرتبطين بإسرائيل، في إسرائيل (نفسها) أو في دولة أخرى. لم يعثروا (المحققون) على دليل على أن هناك علاقة لأي دولة أخرى (في تزوير الجوازات)». وقال إنه نظراً إلى شدة تعقيد عملية تزوير الجوازات فإن الحكومة البريطانية «تعتبر أن من المرجح جداً أن التزوير قام به جهاز استخبارات دولة» وأن هناك «اسباباً قوية جداً تدعو إلى الاعتقاد أن إسرائيل مسؤولة عن سوء استخدام الجوازات البريطانية». وقال إن حكومة بلاده تعتبر الأمر «خطيراً جداً» ولا يمكن تحمّله ويمثّل خطورة على حاملي الجوازات البريطانية خلال سفرهم، وإنه يمثّل إهانة شديدة كون من قام به يُعتبر صديقاً لبريطانيا. وأكد أن بلاده ستقوم بإجراءات تكشف لإسرائيل مدى امتعاضها مما قامت به، ومن بين ذلك إبعاد ديبلوماسي من سفارة إسرائيل في لندن. ولم يسم الديبلوماسي الذي يُعتقد انه رئيس «محطة جهاز الموساد». لكن ميليباند شدد على نية بريطانيا الاستمرار في التعاون مع إسرائيل في شأن المشروع النووي الإيراني إضافة إلى مواضيع أخرى. وقال إنه طلب تعهداً إسرائيلياً «رسمياً» بعدم تكرار مثل هذا التصرف. وأعلن ميليباند أن 11 من البريطانيين ال 12 الذين يقيمون في إسرائيل والذين استُخدمت جوازاتهم في قتل المبحوح تم منحهم جوازات جديدة حديثة «بيوماتريك». ووافق وزير الخارجية في حكومة الظل المحافظة ويليام هيغ على كلام ميلياند، ولفت إلى أنه في العام 1987 استخدمت إسرائيل جوازات بريطانية مزورة وعندما كُشفت تعهدت بعدم القيام بذلك مجدداً لكنها خرقت تعهدها. وقالت ناطقة باسم الخارجية ل «الحياة» إن وزير الخارجية إسرائيل أفيغدور ليبرمان تسلّم احتجاجا من ميليباند (في بروكسيل) ورد بأن بلاده ستدرس الأمر «في شكل أكثر تفصيلاً» قبل أن ترد عليه (طلب ميليباند تعهداً رسمياً بعدم تكرار ذلك). وشددت الناطقة على رغبة بريطانيا في قيام إسرائيل بتصرف «يعيد الثقة التي تم فقدانها». ورفضت تحديد هوية الديبلوماسي المطرود، لكنها أقرت بأن اسمه ورد في التحقيقات التي قام بها المحققون البريطانيون في عملية التزوير. وأعرب سفير إسرائيل في لندن رون بروسور عن خيبة أمله للإجراء البريطاني. وفي إسرائيل، اعتبر وزير الأمن الداخلي يتسحاق أهارونوفتش قرار الحكومة البريطانية طرد الديبلوماسي، ممثل جهاز «الموساد» في لندن، «خاطئاً»، وقال إنه فوجئ بالتقارير الواردة من بريطانيا «ولا علم عندي بهوية الديبلوماسي». ورأى رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية تساحي هنغبي من حزب «كديما»، إنه ينبغي على إسرائيل أن تواصل سياسة عدم التعقيب مثلما فعلت في أوج الأزمة مع دبي. لكن الرد الأعنف جاء على لسان النائب أريه الداد من أشد الأحزاب اليمينية تطرفاً «الاتحاد القومي». اذ قال إن «البريطانيين يتصرفون كالكلاب وربما أسوأ منها، وأنا لا أريد أن أهين الكلاب لأن بعضاً منها يظهر الوفاء الحقيقي لصاحبه... وينبغي على الحكومة الإسرائيلية أن ترد بالمثل على الخطوة البريطانية وتطرد الملحق العسكري في السفارة البريطانية في تل أبيب».