أصدرت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري في المغرب (هيئة رقابة وضبط للإعلام السمعي البصري)، تقريراً عرّت من خلاله واقع برامج الطفل في التلفزيون المغربي، في ظل هيمنة الإنتاج الأجنبي بنسبة 91 في المئة، فضلاً عن طغيان اللغة الفرنسية بنسبة 82 في المئة. ووصف التقرير هذه البرامج بأنها تتسم بهيمنة الطابع الترفيهي أكثر من الطابع التربوي والتعليمي، واعتمادها أساساً على الطفل المتلقي عوض الطفل الفاعل، مع عدم إشراكه في الإنتاج والإعداد والتقديم. كما لفت التقرير إلى حضور جرعات من العنف في ما يبث وعدم الأخذ في الاعتبار شروط استفادة الأطفال الضعيفي السمع من البرامج. وكشف قلة برامج التنشيط والمسابقات (6 برامج من أصل 97 برنامجاً من مجموع القنوات)، فضلاً عن غياب أشكال أخرى من برامج الأطفال؛ مثل مسرح الطفل وبرامج الحوار ومجلات ثقافية وترفيهية وسواها. هذا الوضع القاتم الذي يرسمه التقرير، يبرز جلياً تخلّي التلفزيون المغربي عن دوره في تقديم خدمة عمومية تربوية هادفة تراعي حاجة الجمهور الناشئ. كما يفضح واقع الإنتاج الموجه لفئة الأطفال؛ والذي ما زال مكبّلاً بالانبهار بثقافة الآخر، والاعتماد عليها بشكل متواتر، مع العجز عن إنتاج برامج خاصة تترجم هويتنا وثقافتنا؛ وتجعل الطفل العربي في صلبها. فإذا كان عذر القنوات التلفزيونية في السنوات السابقة، الكلفة المالية الباهظة التي تتطلبها صناعة الرسوم المتحركة؛ فإن هذا العائق بدا مستبعداً خلال السنوات الأخيرة؛ مع تطور هذه الصناعة ودخول المعلوماتية في تنافس مع صناع «الكارتون». وحتى إذا سلمنا بغلاء إنتاج هذه النوعية من أفلام الكارتون، فإن ذلك لن يعفي التلفزيون من إنتاج برامج تثقيفية حوارية وترفيهية وتمثيلية موجهة لهذه الفئة. إن الأمر لا يتعلق بإمكانات مالية، بمقدار ما يتعلق بعجز في الابتكار والإبداع في هذا المجال، بل بتواطؤ مع منطق السوق والمشاهدة التلفزيونية واللهاث وراء الإعلانات، اعتقاداً من القنوات أن سوق الإنتاج البرامجي الخاص بالأطفال غير منتج لجهة استقطاب المعلنين. تقرير الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري جرس إنذار يجب أن يتبعه نقاش يحدد دور الخدمة العمومية ومجالاتها، مع ضرورة مراعاتها لكل الشرائح، كما يفتح الباب على ضرورة تحريك الراكد، بخاصة بعد تأخر إخراج قناة خاصة بالطفل والأسرة كما كان مقرراً في الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون.