يد تفتك بيد أخرى سعيد بوكرامي الحياة ذات يوم رأى أحدهم في المنام أنه مات.غرق وفي جيبه حجارة فرجينيا وولف. كان طبعاً يقاوم التيارات، لكن ثقل دماغه كان أكثر توقاً للوصول إلى الأعماق. فبدأ يزداد شرقاً فشرقاً وغرقاً فغرقاً. توقف فجأة عن المقاومة، فطفا جسده الفليني فوق الماء. عندما استيقظ من النوم، وجد نفسه ملقى على رمال شاطئ مجهولاً عارياً كحي بن يقظان مذهولاً كمولود جديد خرج من الدفء إلى البرد ومن الصمت إلى الصخب. وفجأة وجد حلمة في فمه، وأصفاداً في قدميه. قال الصوت: هذا الحليب لتكبر أكثر فأكثر وهذا الحديد لتخاف أكثر فأكثر. الموت ذات يوم رأى أحدهم في المنام أنه أصبح رضيعاً يستحم في نهر كان خفيفاً كطوف من فلّين، تأخذه التيارات من سطح إلى سطح ترافقه أسماك سلمون يائسة. توقف فجأة عن الخفة فبدأ يزداد نزقاً، فنزقاً، وحمقاً، فحمقاً عندما استيقظ من النوم، وجد نفسه معلقاً فوق جبل. قريباً من الله تقريباً، متدثراً بالصوف كالحلاج، مذهولاً كطالب حكمة خرج من الظلمة إلى النور. ومن العجز إلى القوة. وفجأة اكتشف أن الجبل ذرة، والسماء مجرد قطرة قال الصوت: هذه الذرة لترى أبعد من القشرة وهذه السماء لتسبح في الكون كنجمة. المدرسة دخلا كعادتهما متأخرين، دفع هو الباب وبقيت هي خلفه. أومأ برأسه أن أسمح لهما بالدخول، شيعتهما بيأس، وأشرت بيدي أن أدخلا إلى فصل يخوض حرباً عالمية. الكتابة على الحيطان تنقل تفاصيل حرب العراق. الطاولات معطوبة. جلسا في الطاولة الأخيرة نفسها. كنت وقتها أتحدث عن الخطاطة السردية وبالتحديد عن سيرورة التحولات بعناصرها الثلاثة: الإثارة والفعل والنتيجة. وفي الوقت نفسه كانت رياح شديدة تدفع النوافذ دفعاً وكأنها تحاول اقتحام أجسادنا. وهم يكتبون استرقت نظرة إليها، كانت شاردة لا تكتب، قلمها يحفر وجه الطاولة. كأنها تفقأ عين أحد. اخترقت ما بين الصفوف ووقفت فوق رأسها وقلت: - مالك ؟ رفعت وجهها الشاحب وقالت: - أريد أن أخرج إلى المرحاض. - حتى ننهي الحصة. - لا أستطيع، نفسي غمت علي. الماضي كأنني رأيتها تمضي بوجهها الحزين والقطار يتلاشى بين غمام المدينة الإسمنتية القاسية. هل فكرت أننا سنلتقي بعد هذا الفراق. كان إحساسي الذي ما زال يلازمني يقول لي إننا غادرنا إلى غير رجعة. لكن هذا الصباح وأنا أعبر بلامبالاة الشارع الرئيسي وبالإحساس نفسه الذي يداهمني أن سيارة طائشة ستأتي لتنه كل شيء، رأيتها تخرج من الحمام المجاور للمسجد. كانت كوميض مشرق في نهاية نفق مظلم. رأيتها تشد باليد اليسرى حقيبة رمادية وسطلاً أبيض وباليد اليسرى طفلة رائعة الجمال. التقت نظراتنا المرتجفة بدهشة من يقابل روحه تتجلى. تفصد من جسدي عرق بارد ووجدتني أقف في انتظار أن نلتقي. خطواتها متجمدة بل بالكاد تتحرك وكأنها توقفت أيضاً. كانت قد توقفت فعلاً مدققة النظر في هذا الكائن المنبعث من رماد الماضي. وفجأة بدأنا نقترب من بعضنا البعض.