تدفع الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها أسر كثيرة لأسباب مختلفة، بربات البيوت إلى كسر ثقافة العيب في المجتمع الأردني، والعمل في مهن كانت منذ زمن طويل حكراً على الرجال مثل قيادة سيارات الأجرة. وتلجأ نساء إلى مثل هذه المهنة بسبب ندرة بنات جنسهن في هذا الميدان، والطلب المتزايد عليهن من جانب عائلات محافظة خصوصاً. بيدَ أن هؤلاء النسوة وغالبيتهن من الأرامل، يدفعن ثمن العمل في مثل هذه المهن من علاقتهن بأولادهن الذين لا يرونهن إلا في ساعات المساء، فيما لا يستطعن أن يقدمن لهم بعد يوم عامل شاق سوى توفير المأكل والملبس. وعلى رغم ذلك، ترى الأربعينية صباح السيلاوي (أم صهيب) التي تعمل على سيارة أجرة (هي كل ما تملكه من حطام الدنيا) على خط مدينة الرمثا (شمال) - عمّان، أن توفير المأكل والملبس لأولادها الأربعة يحتل الأولوية لديها، ثم تأتي الأمور الأخرى التي تمكن متابعتها بواسطة الهاتف الخليوي، لكنها تشير إلى أنها لا تستطيع حلّ بعض المشكلات وغالباً ما تكون على حساب أولادها، لا سيما أوضاعهم في المدرسة وتدريسهم المناهج، وما يواجهونه أحياناً مع زملائهم. تستيقظ أم صهيب باكراً لتنجز أعمال المنزل، ثم تعد وجبة الفطور لأولادها وتشرف على توضيب لباسهم وحقائبهم استعداداً لذهابهم إلى المدرسة، قبل أن تتوجه إلى عملها، فيما تتكفل الوجبات الجاهزة التي تبتاعها من المطاعم في توفير غدائهم، قبل أن تتابع عملها حتى موعد الغروب. وتؤكّد أنها اضطرت بعد وفاة زوجها منذ سنين عدة لتقود سيارتها على خط (الرمثا – دمشق)، غير أن الظروف الأمنية وإغلاق الحدود مع سورية، اضطرتها للعمل على خط (الرمثا – عمّان)، بعد حصولها على تصريح موقت من هيئة تنظيم قطاع النقل. ولا تشعر أم صهيب بالحرج من طبيعة عملها، بل إنها تثبت من خلالها قدرة المرأة على شغل أي وظيفة لتلبية حاجات أولادها، فضلاً عن أنها أساساً تحب مهنة القيادة التي هي في نظرها مناسبة للنساء وللمجتمع الذي يعاني من كثرة الحوادث، مشيرة إلى أنها طوال فترة قيادتها سيارة الأجرة لم ترتكب مخالفة نظراً إلى التزامها بقواعد المرور. وتجزم بأن المرأة عموماً تلتزم بهذه القواعد أكثر من الرجل، خصوصاً في مجال السرعة، لذا يفضّل أهال كثر أن تقل بناتهم، ويبرمون معها عقوداً شهرية لهذه الغاية. كما أن الركاب من الرجال باتوا متقبلين فكرة أن تكون هي السائق الذي يقلهم، ولا تجد أي معارضة منهم، على عكس ما توقعته وما اعتقده من أقاربها، إذ أكدوا لها أنها ستواجه متاعب مع الركاب الذين سيكونون بأمزجة مختلفة، فمنهم من يطلب زيادة السرعة ومنهم من يطلب إبطاءها، فيما آخرون لا يريدون سماع أغانٍ معينة. واستطاعت أم صهيب التغلّب على مثل هذه المشكلات والصعوبات تدريجاً وعرفت كيف تتعامل معها، من خلال الالتزام بالسرعة القانونية المحددة على الطرق وعدم سماع أغانٍ في السيارة للتخلّص من اختلاف أمزجة الركاب. وهي تؤمن أن المرأة الأردنية قادرة على الانخراط في أي عمل ومهنة، بوجود التصميم والمثابرة في عقلها وروحها، لافتة إلى أن الظروف اختلفت وتطوّرت و«لدينا في الأردن ملايين الفتيات والنساء المتعلمات وهن يشكلّن مع الرجال عماد هذه الأمة وتقدّمها ورفعتها». ويكشف رئيس قسم سير الرمثا الرائد خلدون ضمرة أن مراقبين لمخالفات المرور تنكروا بالزي المدني وركبوا سيارة أم صهيب، ولم يسجلوا عليها أي مخالفة. وفضلاً عن عدم ارتكابها أي مخالفة خلال عملها كسائقة أجرة، لم تتعرّض لأية مضايقة من الركاب.