لم يبدأ موسم العطلات بعد، لكن الفنادق في المنتجعات الجبلية في منطقة كردستان في العراق محجوزة بالكامل. غير أن النزلاء ليسوا سائحين هذه المرة، لكنهم نازحون فروا من الصراع الذي تشهده المناطق السنية في البلاد طلباً للأمان النسبي في الإقليم شبه المستقل، الذي يقع في شمال العراق. وعلى رغم الطابع العام لشقلاوة (مدينة تابعة لمحافظة اربيل في كردستان تشتهر بطبيعتها الجبلية وشلالاتها) والذي يجعلها لا تصلح لدور المأوى للنازحين، لكن عدد سكانها زاد بما يقرب من النصف منذ بداية العام. ففي الشارع الرئيس في البلدة التي انتشرت في أرجائها مواقع البناء، وتزخر بالفنادق ودور الضيافة، افتتح في الآونة الأخيرة مطعم اسمه "كباب الفلوجة" وبات من علامات سكان البلدة الجدد. ويشكل هذا الامر مفارقة لا يستهان بها في بلد له تاريخ من العداء بين العرب السنة والأكراد، إذ يلجأ سكان الأنبار المشهورة بنزعتها القومية العربية إلى من كانوا خصوماً لهم حتى عهد قريب. وتكشف هذه الخطوة أن ثمة أزمة ثقة وعداء قديم، لكن هناك أيضا لفتات تنم عن حسن النوايا. وقال فرحان ابراهيم أحمد الذي يدفع 400 دولار في الشجر لاستئجار شقة شديدة التواضع في شقلاوة: "أول مرة نجي على كردستان. والله حلوة وأهلها حلوين ويعني ما بهم أي قصور". وأضاف: "المعاملة طيبة جدا. نحس كأننا في منطقتنا في الفلوجة". ويحاصر الجيش العراقي الفلوجة والرمادي المدينتين الرئيسيتين في الأنبار منذ سيطر عليهما مسلحون في الأول من كانون الثاني (يناير) الماضي، الأمر الذي أدى إلى أكبر موجة نزوح شهدها العراق منذ الصراع الطائفي الذي بلغ ذروته في عامي 2006 و2007. ولجأت نحو 5200 عائلة من الأنبار الى كردستان حيث يقيم كثيرون في فنادق ومنتجعات. ويأمل النازحون أن يستطيعوا على نحو ما أن يعودوا إلى ديارهم بعد الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في نيسان (ابريل). ولا يتوقع اي من النازحين من الأنبار أن يبقى في كردستان وقتاً طويلاً، إذ فر معظمهم بلا متاع يذكر عندما بدأت قذائف المورتر تنهال على منازلهم ووجدوا أنفسهم محاصرين وسط القتال بين القوات الحكومية والمسلحين السنة. ويريد النازحون جميعا العودة إلى الأنبار بمجرد أن تصبح الأوضاع آمنة، ويقول كثير منهم إن أموالهم بدأت تنفد. وكانت مفاجأة أن بعض الأكراد تعاطف مع النازحين من الأنبار في محنتهم على رغم العداء القديم بين الطائفتين بل وشعروا أن مساعدتهم واجبة عليهم. وقال بعض النازحين في شقلاوة إن "أصحاب الفنادق خفضوا لهم إيجار الغرف. وذكرت أسرة نازحة أن مالك العقار"، الذي تقيم فيه اشترى لها مولداً إضافياً للكهرباء. كما توزع السلطات في كردستان بعض كميات البنزين مجاناً على النازحين. وقال غازي، الذي يملك متجرا للبيع بالتجزية في شقلاوة: "جاءوا إلى شقلاوة نازحين لا سائحين وكان عددهم كبيراً. ما من مكان خال في شقلاوة. هم أشخاص طيبون وكانت معاملتهم حسنة مع أهالي شقلاوة، أهالي شقلاوة أيضا طيبون ويعاملونهم معاملة طيبة. إيجار الشقة السكنية في الموسم السياحي 200 دولار في الليلة، لكن المالكين خفضوا الإيجار إلى 20 دولارا في الليلة ليساعدوا لنازحين من الفلوجة. استفادت شقلاوة أيضا من وجودهم لأنهم يزيدون الرواج التجاري. المتاجر هنا عليها إقبال طيب". جروح الماضي قتل الأكراد بالغاز السام وهجروا قسرا في عهد الرئيس السابق صدام حسين في محاولة لوأد تطلعاتهم إلى مزيد من الاستقلال. ولم يتدخل الغرب لحماية الأكراد إلا بعد حرب الخليج عام 1991 حين أقام منطقة حظر جوي لحمايتهم من صدام. وقال رجل من سكان شقلاوة يدعى آدم اسماعيل خضر: "كنا لاجئين أيضا، وكنا مشردين. ومرّينا بالتجارب المأساوية نفسها. نحن نستقبلهم بحرارة ونساعدهم في السكن قدر طاقتنا. يجب أن نساعدهم فنحن الأكراد جربنا حياة التشرد". لكن الأحوال تبدلت منذ ذلك الحين وباتت كردستان الآن أكثر مناطق العراق استقراراً ورخاء، بينما يشكو كثير من أبناء الأقلية السنية، التي هيمنت على العراق سنوات طويلة من سوء المعاملة حالياً. واحتدم خلاف على اقتسام موارد العراق بيت كردستان والحكومة المركزية وصل إلى حد أن بغداد أوقفت التمويل لكردستان رداً على خطوات اتخذها الإقليم لتصدير النفط بصورة مستقلة عبر خط جديد للأنابيب يمتد إلى تركيا. ويعرف كثير من الأكراد الأكبر سنا القليل من اللغة العربية، لكن الجيل الذي نشأ بعدما أصبحت المنطقة شبه مستقلة لا يتحدثها. ولا يستطيع العرب العراقيون اليوم دخول كردستان من دون تصريح ويحتاج من يريد الإقامة فترة طويلة إلى كفيل محلي. وتخضع السلطات الكردية العراقيين العرب لتدقيق صارم بعد تفجير نادر وقع في أربيل عاصمة كردستان العام الماضي، وأعلنت جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام السنية المسؤولية عنه.