تجاوز أولئك المفتون والمستفتون حدود المنطق والمعقول، لدرجة أن المتابع لهذه الفتاوى أصبح في حيرة من أمره وأمرهم؛ فوضعوا أسواراً طويلة بين من يعرف سماحة الإسلام وتيسيره وبين من يريد أن يقترب من حقائق الإسلام وشموليته. تجاوز بعض أولئك المعقول وهم يملؤون الفضاء والصفحات بنواهيهم وأوامرهم التي ليست في صلب ما يأمر به القرآن الحكيم ولا السنة المطهرة! تعاظم التخويف وكثرت الأوامر والنواهي حتى وصلت إلى: كيف ترتدين عباءتك؟ وما شكل قصة شعرك؟ وأين تضعين أزرار ثوبك؟! يقول الدكتور سلمان العودة في خبر جاء في هذه الصحيفة يوم الأربعاء «17 آذار (مارس) 2010»: أعطينا الفتوى أكبر من حجمها وبعض السائلين يريدون التحريم»، وقال: «إن الشريعة أوسع من الفتوى، وأن دائرة المباح فيها واسعة»، وأضافت الصحيفة نقلاً عن فضيلته: «إنه لا يعلم دليلاً من الشريعة يجعل الفتوى تحكم حياة الإنسان، وأنه ليس كل شيء يحتاج إلى أن تقحم فيه الفتوى». ونرى أنه قول يتواءم مع المنطق العقلاني والإحساس الإنساني السليم. الدكتور سلمان لابد أنه لاحظ من موقعه، ولذلك لفت في برنامجه «الحياة كلمة» إلى: «أن بعض الناس أو كثيراً منهم يحاول إقحام الفتوى في كل شيء؛ إذ يلح على المفتي بالمراجعة حتى ينطق له بالتحريم، وهو يضع الجواب ضمن السؤال»! الدكتور سلمان - بثقافته الواسعة وفكره الصافي - لاحظ هذا وانتقده، ونتساءل: لماذا يحب بعض من أولئك التضييق على الناس وللإسلام آفاق واسعة تتسع كلما أمعن الإنسان الرؤية في ما حوله وفي البعيد؟ تكاثرت هذه الفتاوى وأمعنت في الغرابة والتضييق، خصوصاً على المرأة، ووصل بعضها إلى إباحة أن ترضع المرأة زميلها! وأن يهدم الحرم المكي ليبنى مبنى آخر بدلاً منه مكوناً من طوابق عدة منعاً للاختلاط! الله أكبر، ماذا بعد أيها المفتون؟ القرآن نزل وفيه أحكام ربانية لا يأتيها الباطل ولا يرقى إليها الشك ولا النسيان، مبينة وشاملة، وأتت السنة النبوية الشريفة لتعلمنا ما استغلق من دون الفهم، ووضعت الأحكام الشرعية في متناول اليد وفي متناول الفهم. وفي صدر الإسلام لم يكن هناك مفتٍ يضع الأحكام ويلزم الأنام بها؛ ذاك لأن الناس فهموا وعقلوا. الخطيئة أن يتصدى للإفتاء من ليس أهل له، أو لنقل ينقصه ما ينقصه من الإلمام بكل الأحكام ودواعيها. تكاثرت الفتاوى وتجاسرت كثيراً، وإلا هل يعقل أن يأتي اقتراح من أحد من أهل هذه الأرض التي ائتمنت على البيت الحرام بهدم الحرم المكي الشريف ليُبنى بدلاً منه طوابق عدة منعاً للاختلاط؟ هل يعقل يا أخوتنا الأحبة من الرجال أن ينتشر الألوف منكم في طول المسجد الحرام وعرضه وبينكم الفراغات البينة، فيما يُحشر العدد نفسه من النساء في حيز ضيق من المسجد الحرام منعاً للاختلاط؟ السؤال: هل نزل وحي بذلك؟... أم أنها الفتاوى التي أتت لتزيد الناس تمسكاً بدينهم؟ [email protected]