حاول الفرنسيون أمس استعادة نمط حياتهم الطبيعي بعد اعتداءات ليلة «جمعة الرعب» التي نفذها مسلحو تنظيم «داعش» في باريس وحصدت 129 قتيلاً وحوالى 350 جريحاً، ففتحت المدارس والمتاحف والمسارح والمؤسسات الثقافية أبوابها مجدداً. وتخلل هذه العودة الأليمة إلى حياة «طبيعية»، وسط فرض البلاد حال الطوارئ، دقيقة صمت في أنحاء فرنسا وأوروبا ظهراً، تكريماً لذكرى ضحايا الاعتداءات التي استهدفت ملعب استاد دو فرانس ومسرح «باتاكلان» وحانات ومطاعم باريسية. ثم تعهد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، في كلمة أمام اجتماع مشترك للنواب وأعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي في قصر فرساي، تكثيف الضربات العسكرية في سورية التي وصفها بأنها «أكبر بؤرة للإرهابيين عرفها العالم». وكانت مقاتلات فرنسية ألقت ليل الأحد، رداً على اعتداءات باريس، 30 قنبلة على مخزن مشبوه للأسلحة ومعسكري تدريب تابعين لتنظيم «داعش» في مدينة الرقة السورية. ودعا إلى تجميع «أوسع ائتلاف» لقتال التنظيم الإرهابي، مشيراً إلى أنه سيناقش الموضوع مع الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين الذين سيلتقيهما خلال أيام. وشدد على ضرورة إيجاد حل سياسي لسورية، مؤكداً أن «لا مخرج لبشار الأسد ولكن عدونا هو داعش الذي تريد كل الأسرة الدولية تدميره». في المقابل، توّعد «داعش» في شريط فيديو الدول التي تشن ضربات جوية في سورية، بأنها ستلقى مصير فرنسا ذاته، وبضرب واشنطن تحديداً، بينما رجح مدير وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إي) جون برينان، تحضير التنظيم عمليات أخرى شبيهة باعتداءات باريس، ملمحاً إلى أن أوروبا «تعاني من فجوات استخباراتية في التعاطي مع التهديد». كما أكد برينان أهمية تعزيز التعاون الاستخباراتي مع مصر، وتكثيف المحادثات الاستخباراتية مع روسيا لمكافحة التهديد الإرهابي، خصوصاً في ظل وجود ألفي مقاتل روسي ومن القوقاز مع «داعش» وجبهة النصرة في سورية». وقال هولاند إن «اعتداءات باريس تقررت في سورية وجرى تنظيم مخططها في بلجيكا بالتواطؤ مع فرنسيين لزرع الخوف وتقسيمنا في الداخل ومنعنا من مواجهة الإرهاب في الشرق الأوسط، والذي ضرب خلال أشهر قليلة كل من تركيا ولبنان ومصر والسعودية ومصر وتونس». و كشفت أجهزة الأمن الفرنسية أن العقل المدبر لمجزرة باريس هو بلجيكي يدعى عبد الحميد أباعود الموجود منذ سنتين في سورية، وحددت هويات خمسة مهاجمين من 8 بينهم 4 فرنسيين أقام اثنان منهم في بلجيكا. وأباعود (27 سنة) المولود في منطقة مولنبيك البلجيكية مقرّب من صلاح عبد السلام المطارد والذي يشتبه في أنه شارك في مجازر باريس، عضو أساسي في هيكلية «داعش» حيث يتولى تجنيد جهاديين وإعداد هجمات إرهابية في أوروبا، خصوصاً فرنسا، ويطلق على نفسه اسم أبو عمر السوسي. ونفذت السلطات البلجيكية سلسلة مداهمات أمس لاعتقال عبد السلام الذي قتل شقيقه إبراهيم (31 سنة) داخل مسرح «باتاكلان». واعتبر هولاند أن «العدو اجتاز عتبة جديدة، لكن الديموقراطية تستطيع الرد»، داعياً البرلمان الى درس مشروع قانون لتمديد حال الطوارئ الى ثلاثة اشهر». وتابع: «مواجهة داعش ستعبئنا لمدة طويلة، ما يستدعي تعزيز قدرات القضاء وأجهزة الأمن التي سيضاف إليها 5 آلاف وظيفة جديدة، والجمارك التي سيلتحق بها ألف موظف جديد، في حين لن تخفض قدرات الجيش حتى 2019 . كما أكد أن فرنسا ستستضيف قمة المناخ المقررة هذا الشهر بمشاركة 119 من قادة العالم، وستنظم الانتخابات الإقليمية في موعدها . وفي كلمة ألقاها في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، قال مدير «سي آي إي» برينان: «أعتقد بأن اعتداءات باريس ليست الوحيدة التي خطط لها داعش، وأجهزة الأمن والاستخبارات تعمل لكشف عمليات أخرى قد تكون قيد التحضير، وعلى الولاياتالمتحدة أن تبقى متيقظة». ورأى أن الضربات في سورية والعراق «نجحت في احتواء زخم داعش، لذا ينظر إلى الخارج، وهو وضع أجندة خارجية، علماً أن إعداد اعتداء باريس استغرق أشهراً، وهناك عمليات أخرى». وأشار إلى أن اعتداءات باريس «تعكس نمواً في القدرات العملية لداعش، وأيضاً فجوات استخباراتية في أوروبا تتمثل في الموارد وقدرات التجسس وتعقب شبكات التهريب والسوق السوداء للسلاح، إضافة إلى رصد تحركات المقاتلين الذاهبين والعائدين من سورية». ووصف برينان عناصر داعش بأنهم «مجرمون مختلون اجتماعياً أجندتهم القتل فقط للإيهام بفكرة تمدد ما يسمونه بالخلافة». وتحدث برينان بإسهاب عن قنوات الاتصال مع روسيا، مشيراً الى أنه أجرى «جولات محادثات مع الروس أخيراً حول محاربة الإرهاب في سورية، رغم الخلاف على صيغة الحل». وفي نيويورك ذكر أن المبعوث الدولي الخاص الى سورية ستيفان دي مستورا سيعود الى نيويورك لتنفيذ تعليمات الأمين العام بان كي مون «بتسريع وضع الخطط لنشر مراقبين لوقف لإطلاق النار في سورية»، وفق المتحدث باسم الأممالمتحدة ستيفان دو جاريك. وأعلن أن المشاركين في اجتماع فيينا «وافقوا على العمل من أجل دعم وقف لإطلاق النار في سورية وتنفيذه بمجرد أن يبدأ ممثلو الحكومة السورية والمعارضة في اتخاذ الخطوات الأولى نحو عملية التحول تحت إشراف الأممالمتحدة، استناداً إلى بيان جنيف». وأطلقت فرنسا أمس مشاورات في نيويورك للبحث في إصدار قرار عن مجلس الأمن يهدف الى «تعزيز مواجهة الإرهاب»، وقال ديبلوماسي في المجلس إن «الرئيس هولاند أعلن البدء في هذا التحرك، وهو ما سيترجم تحركاً في مجلس الأمن في وقت لاحق». وقال رئيس مجلس الأمن، السفير البريطاني ماثيو ريكروفت إن المجلس «سينتظر ما ستقرره فرنسا في شأن أي تحرك» رداً على الاعتداءات التي استهدفت باريس. ووجهت الحكومة السورية رسالة الى مجلس الأمن قالت فيها إن أساس نجاح الحرب على الإرهاب يتطلب التنسيق مع الجيش السوري الذي «أثبت مع حلفائه أنهم القوى الوحيدة التي تحارب الإرهاب».