سبع سنوات مضت منذ أن انطلقت أول غارة أميركية على بغداد في ليل مظلم لمحت فيه شرارات الخوف في سماء المدينة التي أنارتها نيران القصف الجوي، فيما تستعد القوات الأميركية، التي وصلت العاصمة بعد ثلاثة أسابيع من القصف والمعارك البرية، الى الانسحاب من بغداد عقب تطبيق بنود الاتفاق الأمني المبرم بين الطرفين. والمفاجأة التي أذهلت الأميركيين في المقاومة البرية في البصرة والناصرية سرعان ما تحولت الى تراجع سريع اختفت معه جميع أشكال المقاومة عند الاقتراب من بغداد مثلما اختفت مجاميع البعثيين ورائحة الخبز المحترق من الشوارع ولم يتبق فيها سوى بقايا الطعام والملابس العسكرية التي خلعها العسكريون واستبدلوها بملابس مدنية قبل الفرار من حاجز حديقة الزوراء التي عسكر فيها أكثر من ربع مليون مقاتل آنذاك. وصحا العراقيون على أصوات العجلات الأميركية يوم التاسع من نيسان حينما هب «الحواسم» لنهب كل شيء في البلاد بدأوا بقصور صدام وانتهوا بالمؤسسات والمنشآت الحكومية. في أكبر عملية نهب شهدتها البلاد منذ دخول هولاكو الى بغداد. وكان بحق ذلك العام عاماً للحواسم. الأيام الأولى للاحتلال حملت صوراً للأرتال العسكرية الأميركية وهي تسير بهدوء في شوارع بغداد، لكن تلك الصورة سرعان ما تطورت، حينما ظهرت عمليات الاستهداف للأرتال العسكرية تلاها ظهور المجاميع المسلحة والعمليات العسكرية التي تطورت في شكل مخيف وكادت أن تسقط البلاد في نفق مظلم لا خروج منه. وجاء توقيت انفجار قبة الإمامين الحسن العسكري وعلي الهادي في شباط (فبراير) عام 2006 ليشعل حرباً طائفية أدارتها الميليشيات والمجاميع المسلحة المتعاونة مع «القاعدة» راح ضحيتها أكثر من 150 ألف عراقي ما زالت قبور بعضهم مجهولة. وانتهت الحرب الطائفية بتكتيك أميركي مدروس بتسليح العشائر السنية التي سرعان ما انقلبت على تنظيم «القاعدة» وحاربته بشراسة وصولاً الى استقرار أمني مشهود في تلك المناطق رافقه تحرك حكومي من قبل رئيس الوزراء نوري المالكي على الميليشيات في محافظات الجنوب انتهى الى النتيجة ذاتها. وجاء الاتفاق الأمني، الذي وقّع نهاية عام 2008 بين العراق والولايات المتحدة لينهي سنوات صراع طويلة ويحدد مواعيد للانسحاب الأميركي من البلاد، والذي دخل حيز التطبيق مطلع العام الماضي بتسليم المنطقة الخضراء الى الحكومة العراقية، تلاه انسحاب القوات الأميركية من المدن في الثلاثين من حزيران (يونيو) الماضي . وعزز قيام القوات الأميركية بتسليم معتقلي بوكا والتاجي من التفاؤل بالانسحاب المنتظر لكنه ولد في الوقت ذاته مخاوف من بعض الأطراف السنية من نتائج هذا الانسحاب على مستقبل السنة السياسي. وطبقاً لتصريحات القادة الأميركيين في العراق فإن عدد القوات الأميركية بدأ بالتقلص تدريجاً منذ عام 2008 حيث انخفض من 160 ألف مقاتل الى 96 ألفاً في آذار (مارس) الجاري وسينخفض الى 50 ألفاً مطلع آب (أغسطس) المقبل. وعلى الصعيد السياسي فأن الحكومات التي تلت مجلس الحكم في العراق اعتباراً من حكومة إياد علاوي والجعفري وصولاً الى المالكي كانت تتحرك بطرق مختلفة على الصعيد السياسي خلال الدورات الانتخابية السابقة لكنها لم تخرج عن الأطر الايديولوجية التي حسرت نفسها فيها إلا في انتخابات مجالس المحافظات التي أجريت مطلع العام الماضي والتي تفوق فيها ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي في ثماني محافظات جنوب العراق الأمر الذي شجعه على دخول الانتخابات النيابية بالائتلاف ذاته. أما الانتخابات النيابية التي أجريت في السابع من آذار الماضي فكشفت نتائجها الأولية عن تغيرات كبيرة في مزاج العراقيين إزاء عمليتهم السياسية التي أعقبت سقوط نظام صدام والتي ستدخل منعطفاً جديداً بعد تشكيل الحكومة المقبلة وبدء الانسحاب الأميركي في شكل رسمي من البلاد.