ما زال سلمان خان يعتبر فتى السينما الهندية رغم أنه على عتبة الخمسين. هو بوسامته وعضلاته المنفوخة ومهارته في صرع الأشرار، مهما كان عددهم، يُشعر جمهوره المخلص بهذه القوة الخارقة المنقذة التي تحميهم، بهذا الحماس الذي خبا لديهم والذي لا يجد متنفساً له في الحياة اليومية الشاقة. الناس يتعاطفون مع سلمان حتى حين يقود السيارة مخموراً ويصدم أحد المشردين ليلاً ليتركه على قارعة الطريق، خوفاً من العقوبة التي لم يعتد التعرض لها في أدواره. يتغاضون عن حياته العاطفية العاصفة وما يحيط به من إشاعات حول ارتباطات مع المافيا... هو النجم البوليوودي المحبوب لطيبته وكرمه، إنه كأخ محبّ، ليس مثل أميتاب باتشان الموضوع على رفّ عال كالآلهة، أو شاه روخان «الملك». مَنْ أفضل من سلمان خان بنظرته الطفولية أحياناً، البريئة بتوهانها، ليوحّد بين شعبين كانا شعباً واحداً؟ شعب كان الاستعمار، ودائما الاستعمار، قرر أنه مسلمون وهندوسيون ويجب وضع حدود بينهما... لا يمكن أن تدرك مدى تأثير هذا الانقسام في مشاعر الطرفين من دون أن تعايش أحدهما على الأقل، وتشهد معاناته وهو يروي نزوحاً من مكان كان مكانه ولم يعد. مَن أفضل من سلمان خان ليكون، هو المسلم في الواقع، المنقذ «الهندوسي» لصغيرة «مسلمة» بكماء ضائعة بعيداً من والديها القاطنين هناك في الطرف الآخر؟ ومَن أكثر منه قدرة على أخذ القلوب بجهوده الجبارة التي لا تليق إلا بمن مثله لإعادة الطفلة لوالديها؟ هذا ما فعله نجمنا المحبوب في « باجْرانغي بهاي جان» (بما معناه، الأخ العزيز المتفاني في خدمة الإله هانومان). لعبة العواطف الفيلم عُرض في الصالات الهندية أخيراً، ثم ارتأى «المركز الإسلامي الهندي» في نيودلهي عرضه من جديد في صالته الفخمة، لعل هذا تأكيد على الدور الإيجابي الذي لعبه في عواطف وربما عقول الجماهير. كان يجب أن تكون راغباً حقاً بمشاهدة الفيلم كي تتحمل الطريق إليه. صحيح لم يكن بمشقة الطريق الذي عبره سلمان خان ليمر من الهند إلى الباكستان حاملاً الطفلة الصغيرة على كتفيه، لكنه كان بالتأكيد أكثر تلوثاً وازدحاماً وأقل بهاء وروعة. أما لِمَ تَحمُّل المشقة والمواقع التي تُحمِّل الأفلام الهندية أكثر من الهمّ على القلب، فذلك لأن رؤية فيلم شعبي و «حساس» مع الجمهور الهندي له مذاق مختلف تماماً، عدا أن من يحب السينما يظل يفضل القاعات العتمة على الشاشة «الصغيرة». الحب لا حدود له، والفيلم هنا ليبرهن لنا على ذلك، مثل معظم، حتى لا نبالغ ونقول كل أفلام بوليوود. سنكتفي برواية القصة التي هي عصب نجاح الفيلم، بالطبع بعد وجود سلمان خان فيه، فهذا هو الأهم في هذه النوعية من الأفلام. البطلة هي مجرد سنّيدة للبطل حتى لو كانت نجمة شديدة السطوع كما هو حال كارينا كابور. هي هنا لم تضف شيئا للفيلم، وكان يمكن أي ممثلة أخرى القيام بالدور البسيط الذي أدته، كما يمكن دوراً سطحياً لا عمق للشخصية فيه أن يُؤدى. حتى الدور البطولي الثاني هو لرجل، هذه هي بوليوود التي تتسم «بالذكورية» كما تتهمها الممثلات الهنديات. لا يمكن إلا الاستسلام والانقياد لأسلوب السرد الذي اتبعه كبير خان مخرج «باجرانغي بهاي جان»، الذي سار على نمط الأفلام الأميركية الاجتماعية، إنما بصبغة هندية بألوانها ومبالغاتها وموسيقاها. لا يمكن إنكار متعة ما في هذه الأفلام مهما بلغت درجة سطحيتها وعدم إقناعها، إنها تجرك بتنفيذها المتقن، والعواطف (السطحية؟) التي تثيرها فيك ولو للحظات، قد تضحك بعدها من تأثيرها عليك. لنشاهد... باكستانية ضائعة ماذا يحصل حين تضيع بنت سبع سنوات باكستانية في الهند؟ لا بد أن يتلقفها «عبد لله» في ذلك البلد ويساندها، يقول شيخ أملاً في طمأنة أم محروقة الفؤاد. سيكون «العبد لله» سلمان خان بالطبع. هذه الأم الباكستانية كانت قررت، بناء على نصيحة شيخ، اللجوء إلى ضريح «نظام الدين» (ولي صوفي من القرن 14) في نيودلهي على أمل أن تحصل معجزة ويُنطق ابنتها البكماء «شهيدة». ومع أن «الذهاب الى أميركا أسهل من الذهاب إلى الهند» كما يعلق الزوج، فلن تثني تعقيدات السفر للهند الأم، تعزم أمرها وتصل نيودلهي وتزور الضريح الذي يعجّ عادة بالحجاج من كل صوب. هنا كانت لفتة مناسبة من المخرج ليعرض موسيقى «القوالين» الرائعة الذين ينشدون أسبوعياً في المزار في الواقع. في طريق العودة، وأثناء توقف القطار، تنزل البنت منه والجميع نيام، ليحصل المتوقع، أي مغادرة القطار وهي خارجه. وهنا تذهب محاولات الأم للدخول من جديد إلى الأراضي الهندية سدى، برغم أنها أمام البوابة وعلى بعد خطوتين... لكن من المستحيل السماح لها بالعبور والعلاقات بين البلدين على ما هو معروف عنها من توتر. الصغيرة تقع، لا نعرف كيف وليس هذا بالمهم، على «بافان» (سلمان خان) وهو يرقص ويغني «للرب هانومان» المعروف بشجاعته وإخلاصه ومساعدته «راما» في الأسطورة الهندية «رامايانا». ستتوسم في «بافان» مخلّصاً، كما تنبأ الشيخ للأم! فهذا المؤمن الهندوسي سيكون الحامي الذي لا يقف أحد أمام عزيمته وحبه وتبنيه للطفلة حتى بعد معرفته أنها مسلمة (عبر طرق طريفة، كأن ترفض طعامهم، وتركض حال رؤيتها مسجداً لتدخله، وتألف مرافقة عائلة مسلمة، وتؤيد الفريق الباكستاني في لعبة الكريكيت ضد الفريق الهندي..). لكن هذا لن يعني أن تعلقها ببافان لن يفوق كل حدّ، فهو سيأخذها ويعيدها إلى أهلها رغم ما يتعرض له من عذاب وتعذيب. سيدخل باكستان بطريقة غير شرعية لأنه مضطر لأخذ الصغيرة التي لا أوراق معها، وسيتهم بأنه جاسوس... ولكن بمساعدة صحافي باكستاني (قام بدوره الممثل الهندي اللافت نواز الدين صديقي)، سيتمكن من إيصال «شهيدة» ومن ثمّ العودة إلى بلده. عواطف ... عواطف لم يكف الفيلم عن اللعب على وتر العواطف في كل لحظة، إنما بخفة وبشيء من الطرافة. واعتمد لتحريك المشاعر ما تعتمده الأفلام الهندية عادة من عيون دامعة، فهي تترك أثراً أقوى من البكاء، وموسيقى مؤثرة وتصوير بطيء مثلاً حين يتقدم البطل خان نحو أعدائه ليصرعهم واحداً تلو آخر. في مشهد واحد كانوا حوالى العشرين طاروا كلهم في الهواء قبل أن يقعوا أرضاً أو نهراً... لكن هذا ليس بمستغرب على «بافان»، الذي يستمد قوته من «هانومان» الإله القرد في الهندوسية. لا شيء يثنيه عن المساعدة وفعل الخير، كما فعل هانومان بالضبط مع راما. بالطبع يفصل الفيلم بين الشعوب والمؤسسات، ويبين كيف أن الوضع في بلد ما يمكنه أن يتغير إذا تغير رجل الشارع، وبرز هذا في موقف الشعبين سواء عبر مساعدة الباكستانيين، ومنهم الصحافي الباكستاني، للبطل خلافاً لرجال الأمن، المكروهين بالطبع في كل مكان، أو عبر مشهد طرفي الحدود حين اجتمع الشعبان كل من جهته وأجبرا رجال أمن الحدود على فتحها كي يستطيع «بافان» العودة إلى الهند عبرها، برغم أنه دخل دخولاً غير شرعي. كانوا كلهم يصرخون بحماس ويشعرون بقوة بتوحدهما على الأقل في تقدير فعل الخير، قوة لم يكن حرس الحدود ليستطيعوا الوقوف أمامها. في النهاية لن ننسى هذه الموجة من العواطف والتأثر التي اجتاحت الجميع في الفيلم وخارجه، والصغيرة تركض في الطرف الباكستاني من الحدود، وتغوص في الوحل والثلج والنهر كي تستطيع القول وداعاً لبطلها الخارق، لكنه كان أدار ظهره واقترب من البوابة الهندية التي فتحت له... لكن القدر تدخل وأراد لهذه الصغيرة المسلمة أن تودع بطلها الهندوسي الذي ربما لم يفعل أحد لأجلها ما فعل، فإذ بها تنطق باسمه بل تصرخ به، وإذ به يستدير نحوها سامعاً النداء الذي وصله من بين صرخات الشعبين من كل جهة، يلتفت ويراها وينطلق باتجاهها عائداً بسرعة، ناسياً رضوضه الكثيرة التي تسبب بها تعذيبه، ليعانقها بين حدود الدولتين... لقد تحققت المعجزة ونطقت! وهل ثمة أفضل من فيلم بوليوودي لتحقيق المعجزات؟