قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إن السعودية تشعر «بالارتياح للتوافق والتقارب بين الدول العربية ودول أميركا الجنوبية تجاه العديد من القضايا والمسائل الدولية»، مؤكداً أنه «لا بد من تنسيق المواقف تجاه القضايا المطروحة على الساحة الدولية، ومكافحة الإرهاب والتطرف ونشر ثقافة السلام والحوار». وأكد الملك سلمان خلال افتتاحه مساء أمس القمة الرابعة بين الدول العربية وأميركا الجنوبية في الرياض، وجود فرص بين الدول المشاركة «في تطوير العلاقات الاقتصادية ومبشرة بما يحقق نماء وازدهار أوطاننا، ويدفعنا لتذليل العقبات والمعوقات وتشجيع ودعم تدفق الاستثمارات». وجاء نص كلمة خادم الحرمين في الجلسة الافتتاحية كالآتي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والمعالي رؤساء وفود الدول العربية ودول أميركا الجنوبية معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية معالي الأمين العام للأمم المتحدة أيها الحضور الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يسعدني الترحيب بكم مقدراً لكم تلبية الدعوة للمشاركة في هذه القمة، مشيداً بالجهود الطيبة التي بذلها رؤساء الدورات السابقة في كل من جمهورية البرازيل الاتحادية، ودولة قطر، وجمهورية البيرو، ومؤكداً على أهمية العلاقات بين دولنا، وحرص المملكة على تنميتها وتعزيزها في المجالات كافة. أيها الحضور الكرام: إننا نشعر بالارتياح للتوافق والتقارب بين وجهات نظرنا تجاه العديد من القضايا والمسائل الدولية، ونشيد بالمواقف الإيجابية لدول أميركا الجنوبية الصديقة المؤيدة للقضايا العربية، وبخاصة القضية الفلسطينية، كما أننا ننظر بالتقدير إلى ما حققته القمم الثلاث السابقة، ونتطلع إلى تنسيق مواقفنا تجاه القضايا المطروحة على الساحة الدولية، ومكافحة الإرهاب والتطرف ونشر ثقافة السلام والحوار. أيها الحضور الكرام: إن فرص تطوير العلاقات الاقتصادية بين دولنا واعدة ومبشرة بما يحقق نماء وازدهار أوطاننا، ويدفعنا لتذليل العقبات والمعوقات وتشجيع ودعم تدفق الاستثمارات، وتبادل الخبرات، ونقل التقنية وتوطينها، والتعاون في المجالات كافة. مشيداً بالنمو الجيد في معدلات التبادل التجاري وحجم الاستثمارات البينية منذ انعقاد قمتنا الأولى في برازيليا عام 2005م، ولا زالت الآمال معقودة لتحقيق المزيد في هذا المجال، ولهذا فإننا ندعو إلى تأسيس مجالس لرجال الأعمال، والنظر في توقيع اتفاقيات للتجارة الحرة، وتجنب الازدواج الضريبي، وتشجيع وحماية الاستثمارات بين دول الإقليمين التي ستوفر إطاراً تنظيمياً وقانونياً لتعزيز تدفقات التجارة بينها. وفي الختام أشكركم جميعاً، متمنياً لاجتماعنا هذا التوفيق والنجاح. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته». وكان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، والأمين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي على رأس مستقبلي قادة الدول المشاركة في القمة فور وصولهم إلى مطار الملك خالد الدولي. واستقبل خادم الحرمين الشريفين - بحسب وكالة الأنباء السعودية - الرئيس السوداني عمر حسن البشير، ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رئيس دولة فلسطين محمود عباس، ورئيس الإكوادور رفائييل كوريا، والرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز، ورئيس العراق محمد فؤاد معصوم، والرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلة، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو مورس، وعاهل الأردن الملك عبدالله الثاني، وملك البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ونائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد. واستقبل أمير منطقة الرياض الأمير فيصل بن بندر، رئيس وزراء الكويت الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح، وممثل سلطان عمان السلطان قابوس بن سعيد، أسعد بن طارق آل سعيد، لدى وصولهما، كلاً على حدة إلى الرياض أمس، كما كان في استقبالهما أمين منطقة الرياض المهندس إبراهيم السلطان وسفير خادم الحرمين الشريفين لدى عمان عيد بن محمد الثقفي، وسفير عمان لدى المملكة الدكتور أحمد البوسعيدي، ومندوب عن المراسم الملكية. فيما استقبل رئيس الصومال حسن شيخ محمود، ورئيس الحكومة المغربية عبدالإله بن كيران، ورئيس وزراء البيرو بيدرو كاتريانو، ورئيس وزراء لبنان تمام سلام، ورئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد، والمدير العام للسياسة المتعددة الأطراف في الباراغواي جوسي إنتونيو دوس سانتوس، ووزير الطاقة التشيلي المبعوث الرئاسي الخاص مكسيمو باتشيكو، ورئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري محمد العربي ولد خليفة، لدى وصولهم كل على حدة إلى مطار الملك خالد الدولي في الرياض أمس، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء لشؤون مجلس الشورى محمد أبو ساق، وسفراء بلادهم لدى المملكة، وسفراء المملكة لدى دولهم، ومندوب عن المراسم الملكية. ملك البحرين: القمة تبرز الدور السعودي في قيادة العمل العربي شدد عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، على أن القمة الرابعة للدول العربية ودول أميركا الجنوبية التي انطلقت في الرياض أمس (الثلثاء) «تكتسب أهمية استراتيجية بالغة حيث يبرز انعقادها في المملكة العربية السعودية الدور الريادي للمملكة في قيادة العمل العربي المشترك وتقوية الروابط بين الدول العربية مع دول العالم كافة وتكتلاته، كما أنها تأتي في مرحلة إقليمية وعالمية فارقة مليئة بالتحديات الجسيمة التي تستدعي التكاتف والتعاضد؛ لتحقيق الآمال العريضة بأن تشهد الدول العربية ودول أميركا الجنوبية نهضة وانطلاقة مثمرة على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية». وعبَّر عن سعادته بالمشاركة في القمة؛ تلبية لدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، مضيفاً -بحسب وكالة الأنباء السعودية- أن «القمم العربية مع دول أميركا الجنوبية تمثل دائماً مصدراً للخير والنماء في العلاقات بين المنطقتين، ونحن نقدر كثيراً ما تحقق خلال الأعوام الماضية». وأعرب ملك البحرين عن «تطلعه في أن تسهم هذه القمة في الارتقاء بالتعاون بين الدول العربية ودول أميركا الجنوبية، لمجالات أرحب تلبي طموحات الجميع في توطيد أواصر التنسيق بين هذه الدول، وإرساء آليات لتعزيز التشاور والتفاهم حول الرؤى والمواقف إزاء القضايا ذات الاهتمام المشترك على المستويين الإقليمي والدولي، ووضع استراتيجيات عصرية لتحقيق المزيد من الرخاء والمكانة لشعوب هذه الدول وترسيخ أمنها واستقرارها». كما عبَّر عن الأمل في أن تُكلَّل أعمال القمة بالنجاح، وأن تكون لبنة جديدة في مسيرة تعميق وتوطيد علاقات التعاون المشترك وبلورة آفاق واعدة في المجالات كافة. السعودية.. دور بارز في التقارب بين العرب ودول أميركا الجنوبية للمملكة العربية السعودية دور بارز في دعم التقارب بين الثقافة العربية والثقافة اللاتينية، إذ استضافت الاجتماع الثالث لوزراء الثقافة في الدول العربية ودول أميركا الجنوبية خلال الفترة من 28 إلى 30 نيسان (أبريل) 2014 برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - يرحمه الله - تجسيداً لرؤية المملكة المعززة لمسيرة التواصل الثقافي والحواري بين العالم العربي والعالم أجمع، وضرورة تعميق المعرفة بالآخر، والاعتراف بالتنوع الثقافي والحضاري. وأعلنت المملكة العربية السعودية العام الماضي إنشاء «بوابة إلكترونية للثقافة العربية - الأميركية الجنوبية» للعناية بنشر وتبادل الأعمال الثقافيّة بين الجانبين، على أن يتم التنسيق في ذلك مع الأمانة العامّة في الجامعة العربية، وترتيب آليات المشروع كاملة حتى يتم إقراره والعمل به. كما أنشأت المملكة «مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية» الذي يواصل جهوده برعاية واهتمام من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ، في خدمة الدين الإسلامي وتعزيز الهوية اللغوية في العالم، ومواجهة ضعف الحضور اللغوي لكثير من اللغات العالمية في مقابل سطوة لغة أو اثنتين، وذلك بتأثير العولمة ووسائل التواصل والإعلام. إضافة إلى ذلك أعلنت المملكة تأسيس «جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للحوار الحضاري» وأنشئ في منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) «برنامج عبدالله بن عبدالعزيز العالمي لثقافة الحوار والسلام» كما أنشئ بالرياض «مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز للدراسات الإسلامية المعاصرة وحوار الحضارات» إلى جانب إنشاء «جائزة خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز - يرحمه الله - العالمية للترجمة» التي تهدف إلى دعم التواصل الفكري والحوار المعرفي والثقافي بين الأمم. ويعد التأثير العربي في مجتمعات دول أميركا الجنوبية تأثيراً أصيلاً، تعزّزت معه لغة الحوار بين الجانبين بالدفعة القوية التي وجدها بعد قيام حوار رسمي بين المجموعة العربية والأميركية الجنوبية المعروف باسم (ASPA) وما نتج منه من قمم واجتماعات وزارية ولجان جعلت العمل الثقافي من صميم مكونات الحوار. وبرز عدد من الإنجازات في تاريخ التعاون الثقافي العربي الأميركي الجنوبي، منها: إجراء مجموعة من الدراسات والأبحاث المشتركة، وإصدار مجلة للدراسات بعنوان (المجلة العربية - الأميركية الجنوبية) وترجمة كتب من العربية إلى الإسبانية والبرتغالية والعكس، إلى جانب إنشاء مكتبة افتراضية، ومشروع المعرض المتنقل (قصة نهري الأمازون والنيل) ومعرض الصور الفوتوغرافية (الوجود العربي في أميركا الجنوبية). مفردات في قاموس «كولومبوس» تكشف طبيعة العلاقات العربية - اللاتينية أبرزت مفردات عربية وردت في مذكرات المستكشف الإسباني كريستوف كولومبس طبيعة العلاقات المميزة بين العرب ودول أميركا الجنوبية، إذ أشارت بعض المصادر التاريخية إلى أن المسلمين «الموريسيكيين» في الأندلس كانوا ضمن فريق المستكشف الإسباني في رحلته إلى قارة أميركا الجنوبية في القرن ال15، وذلك لتمكنهم من علوم الفلك، والملاحة، وصناعة السفن. وتمكنت الثقافة العربية من التغلغل في تفاصيل حياة مجتمعات دول قارة أميركا الجنوبية منذ وصول أول مسلم إليها في القرن ال15، وبرزت في مختلف نواحي حياتهم، ابتداء من تناول اللغة اليومية التي تضم 500 مفردة عربية، واستخدام فنون العمارة والتصميم والزراعة الأندلسية، وصولاً إلى التقاليد والعروض الفلكلورية المنبثقة عن التراث العربي الإسلامي في بلاد الأندلس. وأوضحت الدراسات التاريخية أن ما يزيد على 3 ملايين من العرب هاجروا إلى قارة أميركا الجنوبية في نهاية القرن ال19 بلغ عددهم الآن - بحسب وكالة الأنباء السعودية - نحو 40 مليون نسمة، إذ تكشف مقولة العالم الأرجنتيني كارلوس مولينا ماسيي الذي عاش خلال الفترة من 1884 إلى 1964 بأنه «في بداية تأسيس العالم اللاتيني نتذكر أن 8 قرون من الوجود العربي المسلم في شبه الجزيرة الإيبرية (في الجزء الجنوبي الغربي من قارة أوروبا) طبعت سكان شبه الجزيرة بالجنس العربي الذي ميزهم، ووصل منهم إلى بلادنا نحو 80 في المئة». وما يعزز قول كارلوس حديث عالم الأجناس في جامعة أوتو الألمانية الدكتور مايو ري الذي يشير فيه إلى أن «وصول العرب إلى قارة أميركا الجنوبية سبق زمن كولومبس بنصف قرن على الأقل»، مستشهداً بآثار عثر عليها في كهوف «الباهاما» في خليج المكسيك، اشتملت على جماجم تعود لسكان عرب استوطنوا القارة قبل مجيء المستكشف الإسباني. وأوضح مدير مركز الملك فهد الثقافي في الأرجنتين الدكتور محمد الحربي أن «شعوب قارة أميركا الجنوبية تميزت بالانفتاح الحضاري والثقافي مع مختلف شعوب العالم، مما أسهم ذلك في زيادة التقارب مع الشعوب التي هاجرت إلى القارة، خصوصاً من الشعوب العربية والإسلامية، وتجانست معها في الكثير من الثقافات، بل واندمجت فيها إلى ما يمكن وصفه بالذوبان في بعض الأحيان، ليتمخض عن هذه الخطوة عادات مشتركة تمثلت في: بناء الأسرة، والعلاقات الاجتماعية، والمفردات المتداولة، والتراث الشعبي، والزي التقليدي». وأشار مدير إدارة الثقافة وحوار الحضارات في جامعة الدول العربية الدكتور محمد الصوفي في ورقة عمل بعنوان «مستقبل الحوار الثقافي العربي - الأميركي الجنوبي»، قدمها خلال أعمال الاجتماع الثالث لوزراء الثقافة العرب ودول أميركا الجنوبية الذي استضافته المملكة في شهر نيسان (أبريل) 2014، إلى أن «المرأة البرازيلية استلهمت طريقة اللبس لدى النساء الأندلسيات، وكيّفت أسلوب حياتها مع أسلوب المرأة في صقلية إبان عصر الأندلس، كما أخذت بطريقة أناقة النساء في ذلك العصر، حتى أصبحت من مظاهر اللبس المتعارف عليها كثيراً في البرازيل». وظلت الفنون العربية معلماً بارزاً في العروض الفلكلورية التي تؤدى بشكل جماعي أو فردي في بعض دول قارة أميركا الجنوبية حتى وقتنا الحالي، كما أنها تتمتع بقيمة رمزية ووطنية مثل (لاكويكا) في تشيلي، و(لاكوكيا سامبا) في البيرو، و(التانجو) في الأرجنتين، إضافة إلى الموشحات المستوحاة من الموشحات الأندلسية. ونقلت اللغة الإسبانية إلى قارة أميركا الجنوبية حضارة شبه جزيرة الإيْبِيرِيّة التي ساد فيها العرب، لتدخل في مضامين اللهجة العامية اللاتينية العديد من مفردات الثقافة العربية والإسلامية، وأثرت في طريقة نطقها، وبنيتها النحويّة، وتبين أن مرونة ترتيب الكلمات في الجملة الإسبانية بعكس كل اللغات ذات الأصل اللاتيني هو محاكاة للجملة العربية. وأكد الصوفي أن «العلاقات الثقافية التاريخية بين العالم العربي ومجتمعات أميركا الجنوبية تستمد قيمتها من المشتركات القديمة والإسهام العربي الواضح في تشكيل الهوية والتقاليد في هذه المجتمعات، حتى أن العديد من الشخصيات ذات الأصول العربية استطاعت تقلّد مناصب سياسية وأكاديمية رفيعة في تلك القارة، والكثير منهم حقق نجاحات متعددة في عالم الاقتصاد والأعمال والثقافة والفن». ولكون اللغة هي أساس الحوار الحضاري بين الأمم، حققت اللغة العربية انتشاراً عالمياً جعلت الكثير من دول العالم يفضلونها، وأظهرت دراسة للمجلس الثقافي البريطاني أن «البريطانيين باتوا يفضلون تعلم اللغة العربية على الفرنسية بعد ظهور ست دول ناطقة بالعربية، من بين أكبر أسواق التصدير لبلادهم وتدر سنوياً على اقتصادهم أكثر من 12 بليون جنيه إسترليني، أي ما يفوق قيمة صادرات بريطانيا إلى إسبانيا، والصين، وإيطاليا».