الجدل حول «التقنين» طاول حتى المصطلح نفسه، هل يسمى «التقنين» أم يطلق عليه «التدوين»؟ كما تناول ما ينطوي عليه المصطلح، فما الذي يدوّن، وكيف يدون، وهل المدونون يلتزمون بالمذهب الحنبلي الرسمي، أم يسيحون في كل أقوال فقهاء المذاهب الأربعة، والظاهرية، وأقوال فقهاء لهم اختياراتهم الخاصة؟ وهل يلزم القضاة بما في المدونة، أم أن من شاء استعان بها ومن شاء تجاهلها؟ عند تحرير المصطلح يجمع المهتمون على أن «التدوين» أفصح، إلا أنهم مع ذلك يعتبرون «التقنين» وإن كان مصطلحاً غير عربي، إلا أنه جرى استعماله باكراً من جانب فقهاء وعلماء قبل قرون، ما يجعلهم يرون جدوى النقاش حول ذلك ضئيلاً. فيما كشف الشيخ عبدالمحسن العبيكان الذي يصنف «أبو التقنين» في السعودية، أن أقصى ما يطالب به ويدافع عنه «صوغ الأحكام الفقهية - صياغة واضحة - على شكل مواد مبسطة مختصرة يفهمها الناس في تعاملاتهم، ويعرفون ما يحكم به القضاة، ويعرف القضاة ما يحكمون به، ويعرف الذين يأتوننا من خارج البلاد أن هذه أحكامنا، ويستطيعون أن يعرفوا ما لهم وما عليهم من الحقوق والواجبات. بل ما الإيجاز في الكتب الفقهية على شكل مختصرات، وأحكام التجويد على شكل إشارات إلا نوع من أنواع التدوين الذي نحن بصدده. وليس التدوين أو التقنين الذي ندعو إليه بأكثر من هذا، بل هو في جوهره ومضمونه نوع منه، كما وأنه بحسب غايته وهدفه ليس إلا وسيلة لحفظ أحكام الشريعة وتأكيداً لتطبيقها». على أن باحثين آخرين يخلصون إلى أن التقنين يقصد به «صياغة الأحكام في صورة مواد قانونية مرتبة مرقمة على غرار القوانين الحديثة من مدنية وجنائية وإدارية... الخ. وذلك لتكون مرجعاً سهلاً محدداً يمكن بيسر أن يتقيد به القضاة، ويرجع إليه المحامون، ويتعامل على أساسه المواطنون». أما كيف يتم فإن ذلك يتعلق بالآلية التي ستبدأ الجهات القضائية والشرعية في رسمها. وفي شق المذهب يقطع المطالبون بالتقنين بأنه لن يكون على مذهب واحد، إذ كانت أول مطالبة بهذا الإجراء في عهد الملك عبدالعزيز، ونص خطابه إلى الفقهاء على «اعتماد القول الراجح من المذاهب الأربعة». بينما لا يزال الاختلاف حول إلزام القضاة بالمدونة موضع نقاش، إلا أن الرأي الوسط بين الاختصاصيين السعوديين هو الداعي إلى عدم إلزام الفقهاء بما في المدونة المنتظرة، شريطة أن يبدي القاضي الخارج عما قررته أسباب ذلك في صك الحكم، إلا أن العبيكان الذي بدا كالمتبني للقصة أجمعها طمأن الخائفين من الإلزام، بأنه على رغم عدم اعتراضه على الإلزام الذي أيده جمع من كبار العلماء السعوديين، إلا أنه لا يرى إقراره «لعدم الحاجة إليه وخروجاً من الخلاف، ولأنني أثق بأن القضاة سيلتزمون به من دون إلزام».