عندما تسمع النغمة أعلاه، فمعناها أنك تسلمت رسالة هاتفية قصيرة، أو بريداً إلكترونياً على جوالك، أو «لابتوبك» كما يحلو لنا تسميتها، وعالم الرسائل أصبح عالماً مليئاً بالمتناقضات، الفوائد، الطرائف، العبر، والاستشهادات، ويبدو لي أن رصد بعض ظواهره يحتاج الى أبحاث اجتماعية معمقة، لكن أتمنى ألّا تقفل عليها الأدراج شأنها شأن معظم الأبحاث الاجتماعية في أقسام علم الاجتماع التي لا يزال التعامل معها بالعقلية القديمة لأنها لأغراض أكاديمية بحتة... ما علينا. تفضح الرسائل متلقيها، خصوصاً عندما يكون «مبشك» مع الشباب، أولا تأتيه رسالة مع وردة مفادها الشوق واللهفة وهو تكتيك نسائي عريق، ثم تأتيه رسالة عادية تسأل عن غيابه أو تأخره، ثم الرساله الجافة ذات اللغة «اللاأنثوية» وأخيراً أعاذنا الله، وإياكم منها تأتي الرسالة «أم شبشب»، وهي بمثابة الإنذار الأخير للزوج وبعده سيحصل ما لا تحمد عقباه. وهناك رسائل الطلبات أو الأغراض، وهي ما اصطلح الأزواج على تسميتها رسائل «جب معك»، وهي أيضاً تتفاوت بحسب المسؤول عن مصاريف المنزل، فالرجل الذي «يتمسح» على زوجته وراتبها غالباً ما تأتيه الرسالة آمرة ناهية وتطالبه بالفواتير، وهناك زوجات اعتدن من أزواجهن تطنيش بعض الأغراض، فترسل الصنف مكتوباً مرتين، ليشغله هذا التكرار فلا ينسى أو يتناسى الغرض المطلوب. الأولاد دخلوا على الخط، فباتوا يرسلون إلى والديهم رسائل المديح والثناء قبيل الإجازة الأسبوعية تمهيداً للطلبات، ويتبادلون «المحشات» بينهم في المدرسة على معلميهم، أو في المجالس على أقاربهم من خلال الرسائل. الإشاعات، وهذا مبحث خطير ومهم في عالم الرسائل أصبحت لا تحتاج إلى الصورة النمطية القديمة، وهي رجل يهمس في أذن آخر متلفتاً، بل يكفي إرسالها إلى عشرة أرقام لتنتشر عنكبوتياً بأسرع مما تتصور، وهذا النوع من الرسائل مع رسائل التحذير من منتجات أو أشخاص، أو رسائل الأحاديث النبوية غير المسندة، أو رسائل تنقل عن الحكومة أو الشركات أي تصريح يجب فعلاً التأني قبل إعادة إرسالها، ولا يكفي هنا مقولة « ناقل الكفر ليس بكافر» فكل إرسال منك يعني مزيداً للانتشار لشيء لا تعرف فعلاً صدقه من كذبه. شركات الاتصالات الثلاث تعيش نعيماً رسائلياً، فهناك جوالات للأندية، وأخرى للأغاني، والأناشيد والعائلة والأسهم والأخبار والنكت والنغمات والطبخات والعقار والأشعار ما فصح منها وما «نبط»، وحدهما المسرح والفن «التشكيكي» لم يحظيا بعد بهكذا جوالات، وأحتفظُ بحقي الأدبي في الفكرة، لعل الشركة التي أتعامل معها تشتريها في مقابل جوال مجاني مدى الحياة، أو حتى في مقابل التوقف عن إرسال رسائل تدعونني للاشتراك في خدمات لا تعمل إلا في مخيلتهم. وختاماً هناك الرسائل الساخنة، ولا تنفع الكتابة عنها «منشان ما حدا ياخد برد». محمد اليامي