أعلن محافظ البنك المركزي العراقي علي محسن العلاق أن طبيعة الاقتصاد العراقي المتكئ على الموارد النفطية، تجعل العلاقة بين السياسة المالية والنقدية علاقة تفاعلية بما تستلزمه طبيعة الإيرادات والإنفاق من تسعير للدولار. وأشار إلى أن «المركزي» يمارس أدواراً مهمة في هذه العملية، بينها تمويل للنفقات الجارية للموازنة العامة، إذ يشتري الدولار من وزارة المال ليغطي حاجاتها بالدينار العراقي وفقاً للتخصيصات المطلوبة في الموازنة العامة. ويساهم «المركزي» أيضاً في تمويل واردات القطاع التجاري، في حين أن عملية بيع الدولار تعني سحب الدينار من السوق المحلية، ما يساعد المصرف في تحجيم عرض النقد وتقليل اللجوء إلى طبع مزيد من العملة. وأضاف في ندوة في «معهد التقدم للسياسات الإنمائية»، حضرها خبراء ومعنيون في قطاع المال والاقتصاد، أن «مثل هذا النشاط ليس أساسياً للمصارف المركزية في العالم، ومن النادر جداً أن يكون المركزي نافذة البيع، ولكن بسبب طبيعة الاقتصاد العراقي، تولى المركزي هذه المهمة، في حين أن مهمته تقضي بالتدخل عندما يكون هناك اختلال في سعر الصرف، كما في الاتحاد الأوروبي». وأشار إلى مسألة الاحتياط النقدي التي ما زالت محل نقاش، وأكد أن الاحتياط هو الفرق بين ما يشتريه المركزي وما يبيعه. وما يزيد، يذهب إلى الاحتياطات الدولية، كما أن وظيفة الاحتياط تمويل الواردات والتحويلات الأخرى وتغطيتها، واحتياط العملة الأجنبية هو الفرق بين مبيعات الدولار من وزارة المال إلى البنك المركزي ومبيعات البنك المركزي إلى القطاع الخاص. وأكد وجود معايير كفاية الاحتياط، مثل تغطية الواردات لمدة 6 أشهر وتغطية العملة المحلية والديون الخارجية. ولفت العلاق إلى وجود قواعد مهمة تتحكم بعملية بيع الدولار لتغطية واردات القطاع الخاص والتحويلات الشخصية، بينها قانون البنك المركزي المادة 28 وتوجيهات صندوق النقد الدولي والنظام الاقتصادي وفقاً للدستور، وقانون مكافحة تبييض الأموال. وأشار إلى الحلول الحقيقية مثل الشراء أو البيع البسيط غير المشروط، النقدي والآجل، وإلزام المصارف بتطبيق مبدأ «اعرف زبونك» وتطبيق قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. ولفت إلى خيارات خفض قيمة الدينار العراقي عبر رفع سعر صرف الدولار 10 في المئة إلى 1300 دينار للدولار، ما يوفر للموازنة العامة 5 تريليونات دينار (4.2 بليون دولار)، أو رفع سعر صرف الدولار 20 في المئة إلى 1400 دينار، ما يوفر للموازنة 9 تريليونات دينار. وقال إن خيار الخفض سهل ولكنه لا يساعد في إصلاح المشكلات البنيوية، كما أن خفض العملة المحلية مفيد للدول المصدرة لتنشيط التصدير. وأضاف أن «العراق بلد مستورد، وخفض العملة يضر بالقوة الشرائية للمواطنين ذوي الدخل المحدود. وأضاف «يمكن للضرائب أن تلعب دوراً مهماً في التمويل وتحقيق العدالة والتوازن من دون المساس بالشرائح المحدودة الدخل، كما يمكن أن تحقق أهدافاً اقتصادية واجتماعية ومالية». وكان رئيس «معهد التقدم للسياسات الإنمائية» وزير التخطيط الأسبق مهدي الحافظ، أشار إلى أن الحاجة الوطنية لا تتطلب استمرار ما يسمى بمزاد الدولار الذي ينظمه «المركزي»، بل يجب أن يكون التعامل حراً ومن دون قيود. ويدعو الرأي المضاد إلى التمسك بالمزاد وتوفير التسهيلات الضرورية لسير هذه العملية، ولا بد أن تتوقف عند تجارب وعمليات البلدان المجاورة. وتساءل الحافظ عن سعر الصرف الذي يثير إشكالات عدة، وقال «كيف يمكن أن نصف العملية المطلوبة لتحديد سعر الصرف، وهل لها علاقة بالوضع الاقتصادي والمالي للدولة»؟ وتطرق الخبير الاقتصادي أحمد الأبريهي إلى نقاط تتعلق بالمسار المتوقع للاقتصاد العراقي، مشيراً إلى صعوبة خفض طلب القطاع الخاص على العملة الأجنبية في النطاق الحالي لسعر الصرف ومستويات الدخل. وأضاف أن افتقار الاقتصاد الوطني إلى القاعدة الإنتاجية المتنوعة التي تستطيع رفد السوق الوطنية ببدائل الواردات من السلع والخدمات، يضيف قيوداً ويُضعف فاعلية السياسات الهادفة لمعالجة المشكلة. وأشار إلى أن «القطاع الخاص كان عاجزاً عن المساهمة في عرض العملة الأجنبية، وكذلك القطاع الحكومي غير النفطي، وسياسة الاستثمار الأجنبي لم تنجح في إضافة رافد ولو في شكل محدود. وواجه العراق أسعار فائدة على القروض في السوق الدولية لا تُحتمل، وبالنتيجة يبقى النفط الخام المصدر الوحيد للعملة الأجنبية، ولا بد من التحرك الجاد والمسؤول نحو تنمية اقتصادية حقيقية لدفع الخطر عن العراق».