تشكل مؤسسات التعليم على مختلف مستوياتها الفضاء الأبرز لتظهير النزعات النفسية والاجتماعية للشباب اليمني. ففي مقابل بنية الأسرة التقليدية التي تكبل الأبناء والبنات بسلوك وسلم قيم تصف كل من يخرقها ويخرج عنها بأنه «صايع»، تحولت المؤسسات التعليمية مثل المدرسة والجامعة ملاذاً لكثر من الشباب والشابات لتحقيق ذواتهم والتنفيس عن مكبوتاتهم بعيداً من رقابة رب العائلة. ولا عجب أن نجد لبعض المشاغبين صورة مغايرة لتلك الصورة التي يكونون عليها في المنزل. وكثيرة هي الحكايات التي تروى عن تعرض آباء وأولياء أمور لصدمة فور إعلامهم بأن أبناءهم يسلكون مسلكاً تعتبره المدرسة والأسرة «مشيناً». ويحكى أن والد طالبة ثانوية أغمي عليه عندما أبلغته إدارة المدرسة أن ابنته دست في حقيبة معلمة التربية الإسلامية علبة سجائر. ثم عندما استفاق منع ابنته من الذهاب إلى المدرسة. والواضح أن تفجر حالات الشغب والفوضى يرتفع لدى أولئك الذين يعيشون حالات ضغط وكبت داخل المنزل. وذكر هيثم (26سنة) أن قريباً له تعرض لتوبيخ وإنذار بالطرد من المدرسة بعدما فتح نغمة من هاتفه الخليوي هي عبارة عن صوت قهقهة متصاعدة. فعل ذلك فيما كان المعلم منكباً على الكتابة على اللوح. وقال هيثم أن تصرف نسيبه بدا له غريباً لأن القريب المتهم بالشقاوة لم يعرف عنه القيام بهذه التصرفات. وقال هيثم: «في المنزل يكون هادئاً مطيعاً أشبه بالبسة (أي القطة)». وبدا أن بعض الأحزاب والجماعات السياسية يجد في الحرم الجامعي مرتعاً خصباً لتحريك المشاعر الميالة للشغب والعنف، وقياس قدرتها على تحريك كتل الجماهير وتوجيهها. وحتى أولئك الطلاب والطالبات الذين قد لا يظهرون التزاماً سياسياً معيناً قد يجدون أنفسهم منغمسين في معمعة حوادث شغب لم يخططوا لها. تضحك ابتهال (25 سنة ) كلما تذكرت حالتها وزملاءها وهم يحاصرون سيارة رئيس الجامعة ويقذفونها بالحجارة. وفي ذلك الوقت لم تكن ابتهال استوعبت تفاصيل القضية لتقرر الإقدام على هذه العمل. وما حدث كما تروي هو أنها سمعت زملاء وزميلات من الناشطين الحزبيين يصرخون: «الحرس الجامعي قتلوا زميلنا ورئيس الجامعة يحاول تهريب الجناة». وتقر ابتهال بأن البعض وإن بدا عقلانياً أو حاول الابتعاد عن التهور إلا انه أحياناً يجد نفسه وقد انزلق في تصرفات يتورط فيها من غير ارادة لكأن ثمة قوة خفية أو سحراً يقوده إلى واجهة المشاغبة. ويشي بعض القصص بنزعات تقترب من رغبة قتل الأب الفرويدية. فيقول ثابت مثلاً إن بعض المعلمين «يدفعونك دفعاً للشغب... حتى وإن كنت لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم». وذكر الطالب في إحدى الثانويات في صنعاء والمعروف عنه الشغب أن بعض المعلمين يدفعك منذ اليوم الأول للتعارف بأن تكون خصماً له وتستعد للمواجهة بما أوتيت «من دبابيس وشرنقات» وهو تعبير يستخدمه بعض المشاغبين للحيل والمقالب التي ينفذونها. وكان لافتاً استخدام ثابت مفردات لوصف هذا النوع من المعلمين بأنه «شخص يذكرك بذلك العجوز الذي كانه والدك أو الذي ستكونه أنت في المستقبل». ومع تطور التكنولوجيا بات المشاغبون يشكلون داخل قاعة الدرس شبكة لاسلكية تستخدم البلوتوث في ممارسة لعبة رهان تتمثل في تبادل مقاطع فيديو كوميدية او رسوم كاريكاتورية. والفائز في الرهان هو من يتمكن من دفع الآخرين إلى الضحك بصوت عال. ومفهوم الشغب يكتنفه الالتباس في كثير من الأحيان. فهو وإن بدا سلبياً في بعض التصرفات الا أنه قد يكون ايجابياً ومحل تقدير عند البعض الأخر، فلا تزال مفاهيم التنشئة الاجتماعية والسياسية تربي الفرد على أن يكون مندفعاً وصدامياً فيما تعتبر من يتصف بالهدوء والوقار بالخاضع والجبان. ولكن في الوقت نفسه يحدث أن ينظر إلى عمل سلمي مثل الاعتصام والتظاهر ضد إدارة الجامعة بأنه شغب دفع بعض الطلاب ثمنه بأن فصلوا من الجامعة. وما زال إنزال العقوبات بحق من يعتبر مشاغباً رهن الاجتهادات التي تختلف بين مؤسسة تعليمية وأخرى وبين منطقة وأخرى. ومع تزايد حوادث اعتداء طلاب على معلميهم شددت السلطات التعليمية العقوبات لتصل الى حد الفصل وتعميم قوائم بالأسماء لمنع قبولهم في بقية المدارس. بيد أن تنفيذ العقوبات قلما يتحقق. وبحسب مصادر تربوية تستبدل بعض الإدارات بالعقوبات غرامات مالية أو مادية تجبى لمصلحة خزينة المدرسة.