عرفت النساء قديماً بأنهن أكثر الشرائح الاجتماعية «ثرثرة» وتداولاً للإشاعات، أو الأنباء، من دون التحقق أو المبالاة، بما إذا كانت ذات صدقية أو أنها أقاويل، هي لمجرّد الاستهلاك، ليست جديرة في نظرهن بالتدقيق. وشاع في المجتمعات الخليجية خصوصاً، التقليل من شأن الحديث بصفته «كلام حريم». لكن ثورة التقنية التي جاءت بعد الألفية الثانية، أنصفت النساء من الرجال، وأثبتت الوقائع التي تداول فيها الرجال والشبان والمراهقون أنواع الإشاعات ولغو الحديث، أن تناول «الكلام الفاضي»، بالتعبير الشعبي، ليس حصراً على بنات حواء، ولكنْ للرجال منه نصيب أوفر كذلك. وفي المجتمع السعودي، صارت الإشاعات أكثر من أن تحصى، إذ يروي شبان ل «الحياة» تجاربهم مع حالاتها، فقال الشاب عبدالله: «كنت أعمل في إحدى الشركات الخاصة فترة طويلة، ثم تعرّضت لخسارة مالية، وانتشرت الإشاعات بين الموظفين، وبدأ بعضهم يروّج أخباراً سيئة ويناقشها على أنها حقائق مسلمة، ولا يقبل التشكيك فيها، خصوصاً عندما يربطها بقصص وتحليلات منطقية، من شأنها أن تخيف الموظف وتبعث على قلقه وشؤم حظه الذي جعله ينتمي إلى شركة كان هذا قدرها ومصيرها، حتى انتهى بي المطاف إلى اتخاذ قراري بالاستقالة، تأثّراً بما يتردد عنها من تقارير «واتسابية» وإشاعات. لكن بعد حين، تبين أن ذلك كله مجرّد أوهام، إلا أنني خسرت موقعي الوظيفي وأصبحت في زمرة العاطلين، والشركة لم تزل قائمة، تؤدّي واجباتها نحو موظفيها». وفي هذا السياق، تدور قصص مماثلة، ويتلقف كثر المقاطع إثر أخرى، وتركيب أخبار وإشاعات عليها، عند إخضاعها للبحث والتمحيص، تأتي الحقائق أكثر الأحيان مغايرة لما روّج، إن كان ذلك على المستوى الاجتماعي أو السياسي أو الديني. وقالت المختصّة بعلم الاجتماع أسماء العامري: «السيدات اللواتي كانت الإشاعة لديهن مقتصرة على مجالس صديقاتهن، بتن أكثر قدرة على الترويج لقصصهن وأقاويلهن وسط إمكانات التقنية الحديثة، إلى جانب أوقات الفراغ التي تقضيها معظمهن في مكاتبهن، أو في بيوتهن وعوالمهن الخاصة». وفي إحصاء متداول، أشار باحثون إلى أن نحو 70 في المئة، من تفاصيل المعلومة تسقط قبل وصولها إلى الشخص السادس من سلسلة المتداولين لها. وحضّ علماء شريعة على تجنّب ترديد الإشاعات، انطلاقاً من «النهي الرباني عن اللغو والرجم بالغيب»، إذ قال عضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح الفوزان: «إن مروّج الإشاعات تنطبق عليه صفات المنافق، ويجب على من تصله الإشاعة، سواء كانت صحيحة أم خاطئة، أن يحبسها، لأن بثها يعتبر غيبة إن كانت حقاً». وقال مؤسس حساب «هيئة مكافحة الإشاعات» على «تويتر» ريان عادل: «قبل معرفة أثرها نفسياً، يجب أن نعلم الفرق بين الإعلام القديم والجديد، لأن غالبية مجتمعنا من جيل الإعلام القديم المتلقّي فقط للخبر من اتجاه واحد، ومع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، مثل: «تويتر» و«واتساب» أخيراً، أصبح بيد أي شخص متصل بالإنترنت للمرة الأولى فرصة المشاركة بالخبر، وألا يكون متلقياً فقط، وللأسف هناك فئة تريد وضع السم في العسل، ونشر الفوضى واستغلال عاطفة المجتمع لأهداف خاصة، من شأنها نشر الفوضى والفتنة فيه». وأبدى عادل أسفه لنجاح «مُشعلي الفتن والإشاعات في الوصول إلى الناس البسطاء أو الجهلاء أو الحالمين من مختلف أفراد المجتمع، وليس الشباب فقط، لكن المجتمع لا يتحمّل مسؤولية انتشار الإشاعات وحده، لأن أحد أهم أسباب انتشارها هو تأخّر بعض الإعلاميين من مكان الحدث عن إصدار التصريحات الرسمية للمستفيد في وقتها المناسب. وقد تأتي المعلومة الصحيحة لكن متأخرة بعد أن تسممت الأجواء بمعلومات فاسدة ومختلقة، ما يجعل التصدّي للتصحيح أمراً بالغ الصعوبة، بل في أحيان كثيرة، لا يعرف الإعلامي مغزى ما عنده من خبر، أو مدى حاجة المواطن إليه، ولأنه غالباً في بيئة عمل مشبعة بالمعلومات، ويفترض أن ما لديه موجود بالبديهة لدى الجميع، وحالياً أصبحت المجتمعات أكثر وعياً مع انتشار ثقافة التأكّد والتحقق قبل إعادة النشر، وهذا ما نشاهده يومياً من الاستفسارات التي تصلنا من بلدان عدة، وعلى غالبية الشبكات الاجتماعية، ولا بدّ من وجود جهة تكون الوسيط بين الشارع والإعلام لسدّ هذا الفراغ الإعلامي. وسبق أن أوصى نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي ضاحي خلفان، بإنشاء مشروع مشابه باسم هيئة مكافحة الإشاعات على مستوى الإمارات. ونتمنّى أن تتحول الفكرة إلى مشروع وطني هنا، وبأسلوب احترافي وجديد للتعامل مع الإشاعات وانتشارها».