اميركا دولة عظمى ومشكلة عظمى. مشكلة حين لا يفهمها العالم. مأساة حين لا تفهمه. إمكاناتها هائلة. واخطاؤها من القماشة نفسها. معاداتها مكلفة. صداقتها باهظة. لا يحتمل العالم ان تغسل يديها من مشاكله وتنكفئ. يحتاج الى ثقلها. لترعى حلولاً او تقدم مساعدات. او لتدعم هيبة الأممالمتحدة. وفي الوقت نفسه لا يطيق تدخلاتها الفظة. وسذاجة سياساتها احياناً. وقدرتها على التبدل ورمي حلفائها من سفينتها. والقصة قديمة. تضاعفت خطورتها حين لجأ الاتحاد السوفياتي الى المتاحف. اميركا ليست في احسن احوالها. حلمها الكبير في العراق ان تنسحب منه. حتى الذين استجلبوا الغزو يغسلون ايديهم منه. حلمها في افغانستان ان ينجح كارزاي في إبرام تسوية مع «طالبان». الحرب هناك تنذر بأن تكون مريرة وطويلة ولا مجال فيها لضربة قاضية. هذا من دون ان ننسى الأزمة المالية العالمية. وسعي الكبار الى ترميم مواقعهم او تحسينها. وتحرك القوى الإقليمية الممانعة لتسجيل النقاط. الحكومة الإسرائيلية في عهدة محارب اعمى. يكره نتانياهو فلسطين ارضاً وشعباً. لا يقر بوجودهما. برنامجه هو الاستيطان لاغتيال الاتفاقات واغتيال الدولة الفلسطينية قبل قيامها. في هذا السياق جاءت الصفعة التي وجهها الى جو بايدن صديق اسرائيل في الإدارة الأميركية. الاعتذار لا يغير شيئاً. الحديث عن خطأ في التوقيت هو عذر اقبح من ذنب. الصفعة دفعت اهل المنطقة الى السؤال عن مصير الرجل الساكن في البيت الأبيض. الرجل الذي اطلق انتخابه آمالاً تبدو اليوم متسرعة. الرجل الذي طاف العالم يستعرض قدرته في الخطابة ثم غاب. وسواء غرق في السياسات الداخلية ام الخوف من اللوبي الداعم لإسرائيل فإننا امام النتيجة نفسها. نجحت حكومة نتانياهو في استنزاف انطلاقة باراك اوباما. نجحت في تطويعه. واستنزاف رصيده لدى اهل المنطقة ومراهنتهم عليه. بيان بايدن رداً على الصفعة لا يكفي على رغم اهميته. كشف الحادث ان سيد البيت الأبيض منشغل وضائع ومرتبك ومتردد. كشف ان اوباما ليس جنرالاً. فلو كان لاستدعى نتانياهو باكراً وأرغمه على سلوك طريق السلام. في الوقت نفسه تلقى سيد البيت الأبيض صفعة اخرى. جاءت هذه المرة من محمود احمدي نجاد. اختار الرئيس الإيراني كابول لإهانة الولاياتالمتحدة. بعد ساعات من مغادرة وزير الدفاع الأميركي ذهب للقاء كارزاي. سأل الأميركيين باستهزاء ماذا تفعلون هنا؟ السؤال نفسه تقريباً يطرحه حين يزور العراق. ينكر احمدي نجاد على الولاياتالمتحدة حقها في التدخل في الإقليم. يقول انها تقيم على بعد الآف الكيلومترات. كأنه يعتبر ان القرب الجغرافي هو الذي يعطي الدول حق التدخل في شؤون جيرانها وبذريعة مواجهة تدخل الآخرين. واضح ان نتانياهو لا يقر لأميركا، على رغم سخائها على الدولة العبرية، بحقها في التدخل لإنقاذ ما تبقى من الأرض الفلسطينية. يطالبها بتغيير اولوياتها ووضع «الخطر الإيراني» في الصدارة. واضح ايضاً ان احمدي نجاد يريد الإفادة الى اقصى حد من عدم جاهزية اميركا حالياً لمواجهة بلاده. يحاول هو الآخر فرض وقائع على ارض الإقليم. يحاول إرغام اميركا على التسليم بإيران دولة كبرى في الإقليم وربما الدخول في شراكة معها. يحاول إقناعها ان اسرائيل تحولت عبئاً ولم تعد حليفاً ثميناً. لعبة استنزاف خطيرة. يصعب على اوباما ان يكون قوياً تجاه احمدي نجاد اذا كان ضعيفاً امام نتانياهو. ارتباك القيادة الأميركية للعالم ينذر بأزمات كبرى. ينذر ايضاً بمجازفات باهظة في الشرق الأوسط. تلقى الرئيس الذي أثار الآمال صفعتين في وقت واحد. لم يعد لديه الكثير من الوقت لإنقاذ صورته. اذا استرد مفتاح السلام الضائع وتصرف كجنرال حيال الدولة العبرية ستضطر ايران الى القبول بأقل مما تطالب نووياً واقليمياً.