حقق الألبوم الأحدث للفنانة اللبنانية اليسا «تصدق بمين»، ايرادات ضخمة، محتلاً المراتب الأولى في مكتبات موسيقية في العديد من الدول العربية وانتشاراً واسعاً، مترافقاً مع اشادة ملفتة من نقاد فنيين. ما ذكر يستدعي وقفة نقدية وتحليلاً للعمل لمعرفة أسباب نجاحه وإبراز مواطن الضعف والجذب فيه. منذ إنطلاقتها تحاول اليسا أن تُميّز نفسها عن زميلاتها في الساحة الفنية بنهج غنائي واضح وثابت، عبر تقديم أغنيات عاطفية تراكم من خلالها رصيداً جيداً من الأعمال الكلاسيكية اذا صح التعبير. أدركت الفنانة اللبنانية وفريق عملها أن الإغراء لجذب الجمهور طريقة لا تدوم، خصوصاً مع الفورة الفنية التي تشهدها الساحة العربية، وانتشار الفيديو كليب واستبداله في بعض الأوقات بشركات الإنتاج الكبيرة. حاولت أن تنتقي من الكلمات ما هو أقرب الى القلب، وسهلاً من دون تعقيدات، معتمدة على اللهجة المصرية واللبنانية من دون الاقتراب من اللهجة الخليجية التي سبقتها اليها كثيرات. الألبوم الجديد «تصدق بمين» استكمال لنهج رسمته منذ سنوات في « أجمل احساس» و «عايشالك» و «أحلى دنيا» و «بتمون» و «أواخر الشتي» و «حبك وجع» وغيرها من الأغنيات الرومانسية الرقيقة. والمميز في الألبوم أنه متكامل من حيث الكلمات والأغاني. وإن استمعنا الى العمل سوياً، نجد قصة فتاة حالمة ترقص وتغني معبّرة عما يجول في نفسها من مشاعر وأحاسيس ورغبة في الزواج من فارس أحلام يهبها بيتاً وعائلة واستقراراً. اذاً لا تخرج اليسا من دائرة العواطف وتضيف الى أعمالها السابقة رصيداً جديداً من الحكايات الرومانطيقية. ثمة من يعتبر ذلك تكراراً واستهلاكاً لمواضيع مل الناس سماعها، ولكن المميز أنها تقدم هذه المواضيع بصورة غير تقليدية وأقرب الى الواقعية. ففي أغنية «ع بالي حبيبي» مثلاً تخرج اليسا من ثوب المرأة المتلقية، لتلبس ثوب المُرسلة. تخبر حبيبها أنها في حاجة الى عطفه وحنانه، وأنها تريد أن تحمل اسمه وتنجب منه أطفالاً يشبهونه، متمنية اكمال ما تبقى من عمرها معه، وأن يشيخا ويموتا معاً. لاقت الأغنية رواجاً كبيراً لما فيها من عاطفة جياشة. قُلبت الأدوار، وتنازلت المرأة في الأغنية عن كبريائها وشرقيتها معترفة بمشاعرها أمام الملأ. كما نجح كاتب الأغنية (فارس اسكندر) في كتابة عمل يصلح لكل زمان ومكان. تعرف اليسا الحائزة جوائز عالمية عدة، أن كثيرين ينتظرون ما تقدمه من أعمال علهم يستفيدون منها. بيد أن غالبية القراءات الفنية التي قدمت للعمل أهملت أغنية «من غير مناسبة» (كلمات نادر عبدالله) التي تناهض العنف ضد المرأة. نقطة ايجابية ثانية تُسجل للفنانة في طرحها موضوعاً حساساً الى النقاش عبر عمل فني. تُعلن اليسا تضامنها مع المرأة التي تُضرب وتُهان وتُعنّف، خصوصاً أن هذه الحالات في بعض البلدان تعد أمراً طبيعياً. تُطبق اليسا نظرية تكريس الفن لخدمة قضايا المجتمع وإبراز مشاكله. في العالم العربي آلاف الفنانين، ومئات المحطات التلفزيونية والفنية المتخصصة، دعونا نتخيل أن عدداً منهم قدم أعمالاً لعرض المشاكل التي يعج بها المجتمع من سياسية واقتصادية واجتماعية... وحتى فنية. هذه الموجة من الأغنيات تطرح المشكلات بطريقة سلسة ما يجعلها قابلة للنقاش والتحليل. من هنا يبرز دور الفنان في اصلاح المجتمع ومحاولة تقويمه. وما طلب وزارة الصحة المصرية الى الفنان الشعبي شعبان عبدالرحيم تقديم أغنية عن طرق الوقاية من أنفلونزا الخنازير، الا دليلاً على أهمية الرسالة الفنية. نقطة إيجابية ثالثة تُسجل للفنانة عبر توجيهها تحية للفنانة اللبنانية الراحلة سلوى القطريب، بإعادة تسجيل أغنيتها «لو فيي» التي تعتبر من كلاسيكيات الأغنية اللبنانية، وهو أمر نأمل من الفنانين أن يتبعوه لتعريف الجيل الجديد على أغاني «الزمن الجميل». يبقى للتعاون بين اليسا ومروان خوري التي كتب لها ثلاث أغنيات ولحنها ، مذاقه الخاص. فخوري الذي قدم معها أغنيتَي «بتمون» وكرمالك» سابقاً واللتين حققتا انتشاراً واسعاً، يعرف ما يناسب تماماً صوت المغنية، غناء انسيابي يسير في اتحاه واحد من دون صعود أو نزول، أو عرض لقدرات صوتية. يعمد في كتابته على كلمات مرهفة تُحرّك المخيلة، ويختار مواضيع ضمن سياق السهل الممتنع. ومن مصر لا تزال اليسا تراهن على أن الكاتب نادر عبدالله (قدم معها 6 أغنيات في العمل الجديد) قادر على التنويع في العمل ذاته، بيد أن افساح المجال للآخرين، يُغني العمل ويفتح آفاقاً أوسع، خصوصاً أن بلد الثمانين مليون يحوي العديد من الكتاب اللامعين. ومن بين الأسماء الجديدة التي تعاملت معها، الشاعرة السورية سهام الشعشاع في أغنية «وبيستحي» التي سبق وقدمت أعمالاً مع راغب علامة وصابر الرباعي. ومن العوامل التي ساعدت في انجاح الألبوم، الدعم المطلق التي تلقاه اليسا من شركة «روتانا» التي تنتج أعمالها بموازنات ضخمة خصوصاً أن غالبية نجوم الشركة من الصف الأول انتقلوا الى شركات انتاج منافسة، ما يجعلها نجمة منفردة في فضاء الشركة الواسع. «تصدق بمين» عمل فني ينبض بالفرح، ويوحي بالطمأنينة، فيه ابتعاد عن الحزن ودعوة الى الحب والبهجة والانشراح، عبر كلمات رقيقة وحساسة وألحان بعضها ايقاعي والآخر رومانسي هادئ.