شاء الله أن تكون المملكة العربية السعودية آخر مكان تطأه قدما شيخ الجامع الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي، إذ فارق الحياة في الرياض أمس، وووري جثمانه الثرى في البقيع في المدينةالمنورة بناء على وصيته، بعدما صلى عليه آلاف المواطنين والمقيمين في المسجد النبوي الشريف. وكان شيخ الأزهر سافر إلى مدينة الرياض للمشاركة في حفلة توزيع جوائز الملك فيصل العالمية، لكن أزمة قلبية فاجأته لدى صعوده سلم الطائرة في طريق العودة إلى القاهرة أمس نقل على إثرها إلى مستشفى الملك خالد العسكري حيث فاضت روحه. معلوم أن طنطاوي (82 عاماً) كان يعاني من مرض في القلب، إذ سبق أن ركبت له دعامة قلبية عام 2006 كما أنه عانى من تذبذب في مرض السكر، وتعرض لأزمة صحية نهاية عام 2008 إثر اصابته في إحدى ساقيه بالتهابات حادة في أعصاب الساق نقل على إثرها إلى أحد مستشفيات القاهرة وظل راقداً فيها 10 أيام. ويحسب للراحل أنه ارتبط دائماً بعلاقات وطيدة ببابا الأقباط البابا شنودة الثالث وكثيراً ما كان يؤكد شيخ الأزهر العلاقات الوطيدة التي تجمع المسلمين بالأقباط وأن الإسلام يدعو إلى المشاركة بين أتباع الديانات. وعلى رغم إجماع كثير من علماء الدين في مصر على سعة علم الشيخ طنطاوي واطلاعه الواسع على أصول الشريعة الإسلامية، غير أن كثيراً من النقد اللاذع وجه إليه، إذ أثار عاصفة من الجدل في مصر عام 2008 بسبب مصافحته الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز خلال مؤتمر للحوار الديني في نيويورك، كما تعرض إلى انتقادات من رجال دين وجماعة الإخوان المسلمين في شأن منع ارتداء النقاب داخل المعاهد والجامعات الأزهرية. ويملك رئيس الدولة وحده حق تعيين شيخ الأزهر ولكنه لا يستطيع عزله، ويعد مفتي الجمهورية الدكتور علي جمعة ورئيس جامعة الأزهر الدكتور أحمد الطيب الأقرب لخلافة طنطاوي. وقال المتحدث باسم الأزهر السيد أحمد توفيق ل «الحياة»: «وفقاً للوائح والقوانين المعمول بها فإن وكيل الأزهر الدكتور محمد عبدالعزيز واصل سيزاول مهمات عمل شيخ الأزهر إلى حين تعيين رئيس الجمهورية خليفة لطنطاوي»، مشيراً إلى أنه تم الاتفاق بين عائلة طنطاوي والجهات المعنية على أن يدفن الجثمان في البقيع في المدينةالمنورة. وبث التلفزيون الرسمي المصري أمس صوراً للجامع الأزهر بمصاحبة موسيقى حزينة بعد إعلان الوفاة، ونقل تصريحات لوكيل شيخ الأزهر الدكتور محمد عبدالعزيز واصل أكد فيها أن طنطاوي لم يكن يشكو من أي مرض، وأن اتفاقاً جرى مع رئاسة الجمهورية كي يدفن الجثمان في مقابر البقيع في المدينةالمنورة نزولاً على وصية طنطاوي نفسه. ووصل عدد من أفراد عائلة طنطاوي إلى المدينةالمنورة لحضور صلاة الجنازة في المسجد النبوي ودفن جثمانه في البقيع. وأخطر مجلس الوزراء صالة كبار الزوار لاستضافة الاسرة وإنهاء إجراءات سفرها على الطائرة المصرية المتجهة الى المدينةالمنورة، كما كلفت السفارة السعودية مسؤول المراسم فيها لتوديع الاسرة بكبار الزوار وحل اية مشكلات تواجههم وهو ما جرى مع الحاج عطية شقيق طنطاوي الذي لم يحصل على تأشيرة دخول للسعودية لضيق الوقت، فأجريت اتصالات تقرر بعدها السماح بدخوله الى السعودية من دون تأشيرة. رئيس جامعة الأزهر: من الصعب تعويضه اعتبر رئيس جامعة الأزهر الدكتور أحمد الطيب أن من الصعب على الأمة الإسلامية تعويض الدكتور محمد سيد طنطاوي في علمه وتواضعه وزهده وحرصه على قضايا أمته الاسلامية ودفاعه عنها وسعيه إلى إثبات الرأي الشرعي السديد بالنسبة للقضايا المعاصرة التي تواجه المسلمين في حياتهم العامة. وقال الطيب خلال مؤتمر صحافي في مقر جامعة الازهر أمس: «هذا الشيخ الجليل لا يعوض بكل تأكيد لما تميز به من صفات اخلاقية وعلمية ولتواضعه الشديد لدرجة أن أي مواطن بسيط في أي مكان يمكن أن يتصل به مباشرة أو يدخل مكتبه دون سابق موعد». وأضاف أن الراحل كان زاهداً في الدنيا، متحدثاً عن مواقف مؤيدة لذلك، منها رفضه أن تتحمل جامعة الازهر تكاليف علاجه في المستشفى عندما كانت تجرى له جراحة في القلب وإصراره على أن يدفعها من حسابه الخاص على رغم أنه كان أستاذاً غير متفرغ في الجامعة. ونوه إلى أن الدكتور طنطاوي يعد من اكبر علماء المسلمين في تفسير القرآن الكريم، وكان حريصاً على الدفاع عن الحق والتصدي للقضايا الخطرة التي تهم الامة الإسلامية. وتابع : «كان رائداً للتسامح والمصالحة والتعايش بين المسلمين والمسيحيين، إذ عقد اتفاقات ولقاءات مع أكبر مؤسسة مسيحية في الغرب وهي الفاتيكان وكان يدعو دائماً إلى الحوار بين المسلمين والغرب في اطار من الشريعة الاسلامية وتحقيق المصالح المشتركة». وعدد رئيس جامعة الأزهر مواقف طنطاوي من القضايا الحياتية ومنها حرصه على ابداء الرأي الشرعي في نقل وزراعة الاعضاء الذي أصدره مجمع البحوث الاسلامية برئاسته وأيده علماء المسلمين من مصر وخارجها، مشيراً إلى دفاعه عن الصحابة ووقوفه ضد كل من يعتدي عليهم، مضيفاً أن ذلك تمثل في آخر مؤتمر حضره طنطاوي حول الصحابة قبل أيام من وفاته، وكان من المنتظر أن يترأس اليوم جلسة لمجمع البحوث الاسلامية لإصدار بيان يرد فيه على من يتعرض بالسوء الى حياة الصحابة.