جاء خطاب خادم الحرمين الشريفين في السنة الثانية لمجلس الشورى في دورته الخامسة شاملاً في محتواه، بعيداً في مضامينه. تناول خلاله- حفظه الله- السياسة الداخلية بمختلف أبعادها، الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، من دون أن يغفل التطرق إلى الشأن السياسي الخارجي، موضحاً في هذا الجانب المرتكزات الأساسية التي تستند إليها المملكة في علاقاتها مع العالم الخارجي. فعلى الصعيد الداخلي، الذي كان له نصيب الأسد من الخطاب الملكي، كان التركيز واضحاً على أهمية الوحدة الوطنية والأمانة في الفكر والكلمة، لتفويت الفرصة على من لا يضمر الخير لهذا الوطن. وقد أكد الملك المفدى في هذا الصدد على النهج المعتدل الذي يرتكز إلى ثوابت مستمدة من الدين وحب الوطن، والعمل على خدمة المواطن، مؤكداً على الإنجازات التي تحققت خلال العام الماضي في المجالات كافة، مع التأكيد على أن عملية التنمية والبناء مستمرة وتتطلب تظافر الجهود كافة. وقد نوه حفظه الله على ضرورة الذود عن حياظ الوطن ووحدته ضد حقد الحاقدين وأطماع العابثين، وأن التصدي لذلك يتطلب موقفاً جماعياً ومسؤولية مشتركة. مهيباً بخطورة الكلمة غير السوية، إذ قال: «الكلمة أشبه بحد السيف، بل أشد وقعاً منه، لذلك فإنني أهيب بالجميع أن يدركوا ذلك»، داعياً إلى البعد عن تصفية الحسابات وأدلجة وجهات النظر مما يفسد النقد الهادف والبناء. فيما تم التأكيد على ضروة محاربة الفكر المتطرف وأربابه ومن يوظفونه لتحقيق مآربهم السيئة، واستشهد خادم الحرمين الشريفين في هذا الصدد بالانجازات التي تحققت على يد الأجهزة الأمنية في سبيل تعزيز الاستقرار الداخلي كمتطلب رئيسي لعملية التنمية، في الوقت نفسه الذي وضح فيه بلغة الأرقام ما تحقق خلال العام الماضي من تطور في مجال التعليم الذي يحظى باهتمام وافر من الحكومة، إضافةً إلى المجالات الأخرى في الشأن الاقتصادي والاجتماعي بهدف تحقيق التقدم الاقتصادي وتخفيف وطأة الحياة على الطبقات المحتاجة في المجتمع. أما على الصعيد الخارجي فقد كان التأكيد على الثوابت التي تنطلق منها السياسة الخارجية السعودية جلياً، إذ تسعى المملكة دائماً لخدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية، من خلال ما تتمتع به من موارد مادية وثقل روحي يحتم عليها القيام بدور أكبر لنصرة قضايا الأمة. وأن المملكة لم تتوان في أداء دورها في القضايا والملفات كافة التي تشغل بال الأمة، وعلى رأسها بطبيعة الحال القضية الفلسطينية التي هي القضية الرئيسية، منوهاً بما تقدمه المملكة من دعم للإخوة الفلسطينيين على الصعيد المادي والمعنوي. إضافةً إلى قيام المملكة بمسؤوليتها تجاه المجتمع الدولي، سواءً من خلال تبني سياسة نفطية عادلة تأخذ في الحسبان مصالح الدول المنتجة والمستوردة على حد سواء، أم من خلال الحرض على دعم السلم والأمن الدوليين في القضايا كافة ذات الشأن. وهذا في نهاية المطاف يتسق مع النهج المعتدل الذي تتبناه المملكة في سياستيها الداخلية والخارجية عموماً. * أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك عبدالعزيز