حاول 70 فوتوغرافياً في الاسكندرية ما بين محترفين وهواة، اختراق العلاقة الأثيرة الممتدة بين الإنسان والمدينة، حيث تتحول المرئيات والأمكنة إلى فعل لحظي، قد يشتبك مع السياق الدرامي المحيط. وينتج عن ذلك جدل أو تفاعل حيّ تتقاطع من خلاله الكتل الصامتة مع الإنسان إلى أقصى أطراف لحظة إبداعية معينة تسترقها عدسة فنان لتقبض عليها وتحتفظ بها في ذاكرة التاريخ فلا تخفيها تقلبات الزمن ولا تبتلعها عواصفه. ما بين الصحراء الممتدة، بكلّ ما تختزن من تاريخ إنساني متواصل ومتّصل، حتى ضلوع المتوسّط، ضجيج الشارع المنهمر، والجسيمات الخطرة التي نتعرض لها بشكل مستمر، أصوات السيارات والقطارات والتي تتقاطع بنفور مع أصوات الباعة الجائلين، كيانات خرسانية رمادية وأخرى ذات تفاصيل معمارية فخمة تزاحم البشر، صاغها الشباب مسرحاً للأحداث التي تؤججها وتشعلها أو تلخصها وترمزها عدسة كل منهم، فتعرت الكتل الصماء من ملامحها التقليدية لتندس بأزليتها وفعلها المندمج مع الإنسان ككتلة حية لتحقق العديد من المعاني والتفسيرات والتأويلات الفريدة أو الغريبة والطريفة في فضاء الصورة. كل ذلك ضمّه المعرض الذي استضافه مركز الجيزويت الثقافي في الإسكندرية تحت عنوان «الناس والمدينة»، ونظمه نادي فيوفيندرز للتصوير الفوتوغرافي على هامش المسابقة الإبداعية للتصوير الفوتوغرافي في إصدارها الرابع. يقول رئيس نادي فيوفيندرز للتصوير الفوتوغرافي أيمن جمال: «طرح المعرض تساؤلاً حول الأحداث التي تتم بشكل شبه لا نهائي في كل الأوقات، والتي يحدث كل منها في أجزاء فائقة الصغر من الوقت في أجزاء من الثانية لأناس مختلفين في شوارع وبلدان مختلفة في مختلف أرجاء الأرض حيث تستقي الصور قيمها الفنية لتعبر عن تفاعل الإنسان مع المدينة، سواء كانت داخل مصر أو خارجها، حيث تتقاطع الكتل الصامتة برسوخها وثباتها مع الإنسان وحركته وطاقته الجامحة إلى أقصى أطراف اللقطة حتى حدّ حافة الهاوية». ولفت إلى أن المسابقة دعت المصورين هواة ومحترفين «لالتقاط المشاهد التي تكتم الأنفاس التي قد تمر على عينك كل يوم، في طريقك للدراسة أو العمل، في نزهتك، أو حتى جولاتك الحرة» بغرض أن يتشارك الجميع اقتناص تلك اللحظات الفريدة، عبر كاميرا الموبايل أو الكاميرا الصغيرة أو حتى الكاميرا الاحترافية. وتؤكد إحدى المشاركات دينا حجازي أن المسابقة تجربة مثيرة اكتسبت من خلالها العديد من الخبرات من خلال الاحتكاك بالآخر والتعرف على تقنيات مختلفة، في حين ترى باسمة مجدي أن كثيراً من المشاركين اجتهدوا لمواكبة عمليات التطور المبدع فنياً وتقنياً في مجال التصوير الفوتوغرافي ليجسد كل منهم إحساسه بالمدينة واقتناعاته وما تثيره من أحاسيس وعلاقات تنعكس على تفاعله المباشر معها. تناولت اللوحات العديد من مشاهد المدينة بمفهومها الواسع (الفلاح والقرية، العامل والمصنع، الراعي بأغنامه، كلٌ بعالمه) والتي أكسبها تفاعل الناس انسجاما متوازناً جمالياً، ما ساهم في توالد مشاهد مشوقة خاطفة للأبصار فتحت باب العالم المرئي على مصراعيه: وقت خروج العمال من عملهم أو حتى وقت راحتهم، حرارة الشمس وقوّة حضورها فوق أجسادهم السمراء، الحارات والشوارع القديمة بتفاصيلها المعمارية وساكنيها، تفاعل الباعة الجائلين مع الناس والأسواق، تلامذة المدارس في أوقات الذروة... وكان اللافت في الصور حكايات أظهرت في ثناياها وفرة من التفاصيل المثيرة عن البشر والمدينة.