في اليوم العالمي للمرأة من كل عام نقف لنتذكر ما تحقق وما لم يتحقق في مسيرة المرأة للحصول على حقوقها في التعليم والصحة، في المجتمع والاقتصاد، في السياسة والحياة العامة. وفي هذا اليوم فرصة لتأكيد أهمية دور المرأة في كل جهد ومسعى لتحقيق السلام والتنمية المستدامة. كثيرة هي الوقائع التاريخية التي تؤكد أن مشاركة المرأة في عملية التنمية كان لها أثر فاعل في مواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في كل مكان. وفي التجارب العالمية ما يدلّ الى حجم مساهمة المرأة في تقدم مجتمعها، وأهمية دورها في تطوير المؤسسات الوطنية والحياة الثقافية. وفي عالمنا العربي أمثلة كثيرة عن مساهمة المرأة في الكثير من مجالات الحياة الاجتماعية والثقافية. وفي الواقع الحالي ما يدل الى أن الإرادة السياسية الجادة والخطط الإنمائية الفاعلة نجحت في إدماج المرأة في الكثير من المجالات الحيوية للمجتمع. فبعد مرور خمسة عشر عاماً على إعلان بيجين ومنهاج العمل، تمكنت بلدان عربية عدة من تقليص الفوارق بين الذكور والإناث في الحصول على التعليم والخدمات الصحية. غير أن تحديات كثيرة لا تزال تحد مشاركة المرأة في العملية الإنمائية، ومن أهمها ضعف تمثيلها في الحياة السياسية والاقتصادية بحيث لا يزال أقل بكثير من المستويات التي بلغها في مناطق أخرى من العالم. ومن أسباب ذلك المفاهيم التقليدية السائدة حول دور المرأة، والنصوص القانونية التي تنطوي على تمييز في الحقوق، والتطبيقات غير الوافية للقوانين السارية. وإزاء هذه العوائق تبرز أهمية الإرادة السياسية الداعمة لدور المرأة، وضرورة العمل مع القطاعات الاجتماعية على تغيير المفاهيم السائدة، ومراجعة قوانين العمل وتعديلها لتصبح أكثر انسجاماً مع المعايير والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان عموماً وحقوق المرأة خصوصاً. ويتطلب هذا العمل مع المنظمات المحلية والآليات المعنية بالمرأة بهدف ترسيخ الاقتناع بحقوق المرأة أولاً، وبناء قدراتها لتصبح أكثر توافقاً ومتطلبات المشاركة الفاعلة في الاقتصاد والمجتمع، ولتكون مشاركتها ذات تأثير ملموس في واقع الحياة اليومية. وهنا تبقى المنظمات الدولية والإقليمية مصدراً مهماً للمعلومات والدراسات والخبرات التي تدعم الخطط الإنمائية الوطنية الهادفة إلى تمكين المرأة ومشاركتها في تقدم المجتمع بما ينسجم مع توجهات العصر، وأيضاً مع الخصوصيات الثقافية للمنطقة. وتمكن الاستفادة من التجارب الدولية في توطيد العلاقة بين الحكومات والمنظمات غير الحكومية والجهات التشريعية ليضطلع كل بدوره في تعديل التشريعات النافذة؛ وتوفير البيئة المشجعة لمشاركة المرأة السياسية والاقتصادية؛ ووضع السياسات الوطنية المنسجمة والإرادة السياسية التي تسعى إلى تحقيق هذا الهدف. وهنا لا بد من عمل تثقيفي شامل لجميع الفئات والأعمار، تكون الغاية منه جعل حق المرأة في التعليم والصحة، في العمل والسياسة، في الثقافة والاقتصاد، قضية المجتمع بأسره. في هذا اليوم وكل يوم يتضح لنا أكثر فأكثر أن حقوق المرأة يجب أن تكون قضية كل إنسان. * وكيل الأمين العام للأمم المتحدة. الأمين التنفيذي للإسكوا.