{ أكد سفير روسيا الاتحادية لدى المملكة السفير فوق العادة والمفوض المندوب الدائم لدى منظمة التعاون الإسلامي أوليغ أوزيروف أن بلاده منفتحة على كل فصائل المعارضة السورية إلا الإرهابية منها، مشدداً على أن مصير سورية أهم من مصير رئيسها بشار الأسد. وقال أوزيروف: إن الهدف الأساسي من زيارة الرئيس السوري لموسكو هذا الأسبوع كان بحث طرق تسوية النزاع في سورية، مؤملاً بأن يؤتي اللقاء ثماره، موضحاً أن إيجاد تسوية يحتاج إلى جهود مشتركة، وقال: «من دون هذا التنسيق من الصعب جمع كل القوى، ونعتقد بضرورة التغلب على هذه المشكلات وإيجاد صيغة للحوار». وتحدث أوزيروف، في حوار أجرته معه «الحياة»، عن مبادرة روسية تدعو السعوديين والإيرانيين والأطراف الأخرى في الخليج إلى بناء نظام أمني مشترك لكل الأطراف، وجاء الحوار على النحو الآتي: كيف تقوّمون زيارة بشار الأسد إلى بلادكم؟ - الهدف الأساسي من زيارة الرئيس السوري إلى روسيا، التي جاءت بناءً على دعوة من روسيا، بحث طرق تسوية النزاع في سورية. ونأمل بأن يؤتي هذا اللقاء ثماره، وخصوصاً إذا وضعت في الاعتبار أن هناك لقاءً بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي جون كيري. وأي شخص موضوعي يعرف أننا نبذل جهوداً كبيرة لتوحيد صفوف المعارضة، لتعزيز العملية السياسية. ومبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط يلتقي يومياً أقطاب المعارضة، إذ التقى قيادة الحزب الديموقراطي الكردي، وزار القاهرة، والتقى قائد منطقة كوباني (عين العرب)، فلدينا هدف أساسي هو إيجاد التسوية في سورية على أسس ديموقراطية، تحترم مصالح كل القوى الوطنية والقوميات والطوائف الدينية، بما في ذلك الأكراد. وهذه التسوية يجب أن نؤمّن من خلالها حقوق كل الأقليات، الدينية والعرقية، في إطار دولة علمانية ذات سيادة موحدة. لكن سورية ليست موحدة الآن، فالأكراد أعلنوا إقامة الإقليم الرابع شمال سورية؟ - أحياناً تسير الأمور على الأرض في شكل آخر، لكن هذا لا يعني أننا نسير في هذا الاتجاه، فنحن نؤيد إعادة بناء سيادة سورية الموحدة على أسس ديموقراطية. لماذا تم استبعاد إيران من الاجتماع الذي يضم لافروف وكيري ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير؟ - أنا لا أعرف، وليس لدي معلومات. لكن إجمالاً نحن مع مشاركة إيرانوتركيا وكل جيران سورية، وكل الدول التي تشارك في ما يجري في سورية. ونحن مبدئياً مع مشاركة إيران وكل الدول الإقليمية، لكن كيف ومتى سيتم الوصول إلى اتفاق على صيغة المشاركة؟ فهذا أمر نتركه للمستقبل. واللقاء كان ثلاثياً في الثالث من آب (أغسطس) الماضي، بين لافروف وكيري والجبير. ونعتقد أنه سيكون هناك لقاءات بمشاركة القوى الأخرى. والمنطق يقول إنه يجب توسيع نطاق القوى التي تشارك في بحث التسوية في سورية. هناك الآن حلف دولي كان يواجه «داعش»، بغض النظر عن فشله من عدمه، لكن الآن هناك حلف آخر يتم تشكيله بمشاركة إيران، فهل هناك محاولة لضم دول أخرى؟ - طرحنا من البداية فكرة جبهة موحدة لمواجهة «داعش» والمنظمات الإرهابية الأخرى في سورية، ولم يكن هناك ما يمنع الانضمام إلى الائتلاف بقيادة أميركا، لولا أن هذا الائتلاف يعمل من دون موافقة دولية، فهو لا يمتلك قراراً من مجلس الأمن، أو دعوة من الحكومة السورية. هل تبحثون عن قرار من مجلس الأمن؟ - نقترح أن يقوم مجلس الأمن باتخاذ هذا القرار على أساس محاربة تنظيم «داعش» والقوى الإرهابية الأخرى. لأن هذا سيمنح الشرعية لكل من يشارك، وسيفتح المجال للتنسيق بين الدول. فأنتم تعرفون أننا اتفقنا مع الأميركيين لتفادي الاصطدام في الأجواء السورية، وهذه خطوة أولى. ونحن منفتحون على مواصلة الاتصالات مع الطرف الأميركي لتنسيق الجهود في سورية وخارجها. ولكن حتى الآن لم يقبل الأميركيون هذا الاقتراح. ونأمل بأن تتغير الأمور، فنحن لا نرى تناقضاً في مواقفنا تجاه «داعش» و«جبهة النصرة»، ما نريده فقط أن يكون هناك أساس قانوني واضح، وأن يكون هناك تنسيق من أجل الوصول إلى مستوى فعالية عالية، لأن الملاحظة الثانية أن مستوى الفاعلية لدى الائتلاف الأميركي كان ولا يزال متدنياً من ناحية النتائج، على رغم أنه كان هناك 602 من الغارات الجوية. لكن هذا لم يؤد إلى تدمير أو تباطؤ قدرات «داعش» بل العكس، نما التنظيم وأصبح أكبر مرتين مما كان عليه. وأصبح تعداد أتباعه يفوق 50 ألفاً، بل وصل إلى 100 ألف مقاتل. ولذلك أقول إن الأميركيين ليس لديهم معلومات دقيقة عن الأهداف على الأرض. ونحن سألناهم أكثر من مرة: إذا كنتم تقولون إنكم تضربون أهدافاً تتبع ل«داعش» فأعطونا هذه الأهداف. وهم لم يقولوا لنا شيئاً. الجيش الحر هلامي هل ترى روسيا أنْ ليس هناك معارضة سورية، وليس هناك جيش حر، وأن هذا كله وهم؟ - نحن حاولنا إيجاد قيادة الجيش الحر. ولكن نجد أحياناً أنها منظمة وهمية، أو صغيرة جداً لا تؤثر في سير الأمور. كما نعرف من خلال المعلومات على الأرض أن كثيراً من المنظمات المعارضة إما أن تتحد مع «داعش» أو «جبهة النصرة»، وإما أن تنتقل من فرع إلى آخر من المعارضة. وبعضهم يتخلون عن علم ويأخذون آخر، ويحاربون تحت رايات متعددة. كلامك يعني أن السعودية تدعم «داعش»؟ بشكل أو بآخر! إذا لم تكن هناك معارضة، وكان هناك دعم سعودي، فإلى أين كان يذهب؟ إلى داعش؟ - لا، لا، أنا بدأت حديثنا بأن لدينا حواراً مع حزب الاتحاد الكردي، وهو جزء من المعارضة، ونحن لا نعتقد أن المعارضة هم «داعش»، وأنا قلت من البداية: نحن نقف مع جميع الأطراف، كي نفهم من يدعم «داعش»، ومن يدعم التسوية السياسية على أسس سليمة، وعلى أسس ديموقراطية. ذكرتم في آخر لقاء لكم أن الخلاف كان حول الأسد. والسعودية لا زالت متمسكة بموقفها؟ - نحن لا نتحدث عن تغيير في الدبلوماسية، فهناك أطراف تتمسك بالمواقف المبدئية ذاتها. لكن هذا لا يمنع من الحوار في مسائل أخرى، وهي عدة. ولذلك نعتقد أن هناك مجالاً لبحث مسائل أخرى. ولن نختلف على هذا. مع الحل السياسي.. ضد الإرهاب روسيا كانت تتحدث عن حل سياسي في سورية، ومن ثم أصبحت رأس حربة في المعركة السورية؟ - نحن نتمسك بالحل السياسي، لكن قبل أن ننتقل إليه من المهم جداً أن نزيل العامل الإرهابي من الساحة، وفي ظل مشاركة الإرهابيين نرفض الحل السياسي. فكيف تتصورون عملية سياسية وثلث الأراضي السورية تحت سيطرة الإرهابيين. هذا مستحيل. ثلثان؟ - جزء كبير يعني. هل نتوقع تحركاً سريعاً لتفعيل اتفاق جنيف؟ - نبذل كل جهد، والدليل على ذلك لقاء الجمعة. بالنسبة للقاء الرئيس الروسي مع الأسد، هل خرج بنتائج بخلاف الأمور البروتوكولية؟ - نحن شرحنا له بكل وضوح موقف روسيا تجاه سورية. وليس لدينا ازدواجية في المعايير، فلدينا المعايير ذاتها تجاه اليمن وتجاه سورية، وليس هناك فرق، وننطلق من المبادئ ذاتها المنصوص عليها في ميثاق الأممالمتحدة والشرعية الدولية. ولدينا هدف واحد في اليمن وسورية، هو إيجاد حل يأتي بالسلام والاستقرار والأمن إلى المنطقة. والذي يستجيب للحل، ويستجيب لمصالح الشعب السوري أولاً، وليس لمصالح القوى الخارجية. الشعب السوري منقسم، في الخارج أم في الداخل؟ - الشعب السوري منقسم. ونبذل كل جهد. وكما قلت، فهناك لقاءات للممثل الخاص للرئيس الروسي، الذي يلتقي بشكل متواصل ويومياً مع القوى، بما في ذلك اليمينية، ومع المعارضة السورية، ولديه سلسلة لقاءات. وهذا يتطلب جهداً وإرادة سياسية من كل الأطراف، ولا تملك روسيا طموحات استعمارية أو مصالح توسعية في الشرق الأوسط. وهذا واضح. ونحن لا نحتاج إلى النفط والغاز والأنابيب، فلدينا كل شيء متوافر. فنحن لدينا 38 في المئة من الموارد الطبيعية التي يملكها العالم كله، ونحن نصدر. ولكن لدينا مصالح أمنية، ومصالح مرتبطة باستقرار المنطقة. أسعار النفط أضرت بروسيا، وأيضاً دخول السعودية أسواق شرق أوروبا. - أنتم تبيعون في بولينيا، ونحن نبيع في الصين، النفط مثل السيارة والهواتف المتحركة والسلع كافة، تخضع للمنافسة. والمنافسة أمر سليم وتتسبب في انخفاض الأسعار. صحيح أن هناك أموراً سلبية في انخفاض الأسعار. لكن هناك إيجابيات، مثل أن هذه المرحلة هي فرصة لتطوير صناعات جديدة، كي لا نعتمد على النفط فقط. وللمناسبة، يجب ألا نعطي حجماً أكبر لتبعية الموازنة الروسية للنفط. لأنه ليس ارتباطاً مصيرياً، ولا يمكن أن نعيش من دونها، لأن 50 في المئة من الموازنة يأتي من موارد أخرى. وهناك دورة في الاقتصاد العالمي، فهناك فترات ترتفع فيها الأسعار ثم تنخفض. وفي التسعينات انخفضت أسعار النفط فلم نمت، ولن نموت في هذه الفترة. وبالتأكيد سنتغلب على هذه الصعوبات، وبداية من العام المقبل لدينا قناعة بأن نمو الاقتصاد الروسي سيعود. أنتم لكم وجهة نظر، والحلفاء في الطرف الآخر لهم وجهة نظرهم؟ ما الخطوة التالية؟ - ليس هناك حل عسكري في سورية، هناك فقط حل سياسي، والعمل العسكري موجود فقط من أجل ضرب القوى الإرهابية التي نستثنيها، ونستثني مشاركتها في العملية السياسية. لأن لديها أهدافاً مختلفة، فهم لا يريدون أية تسوية، هم يريدون التوسع وتدمير البلد وضرب الأقليات. وبرهنوا على ذلك من خلال أنشطتهم في العراق وسورية، والتعامل مع الإيزيدين والأكراد والمسيحيين. ولذلك من المهم جداً إزالة عامل الإرهاب هذا من المنطقة. وهذا يفتح المجال أمام التسوية السياسية. مستقبل العملية السياسية في حال القضاء على القوى الإرهابية، وانتهاء العامل الإرهابي من الساحة كما تقول. أين سيكون الدور الروسي؟ - كما هو الآن، الإسهام في توحيد القوى الوطنية السورية، بما في ذلك المعارضة، لانطلاق العملية السياسية والحوار السياسي، لإيجاد حل طويل الأمد في سورية. إذاً أنتم تدعمون أي حل سياسي في سورية؟ - ندعم سورية دولة علمانية موحدة، مع ضمانات لحقوق كل الأقليات التي تعيش في سورية، وكل الطوائف. وأسهمت المملكة كثيراً في إيجاد هذه التوازنات الجديدة بعد الحرب الأهلية في لبنان. ونعتقد الآن أننا بجهودنا المشتركة يمكن أن نصل إلى نتيجة إيجابية في سورية، كما حصل في لبنان. وفي نهاية المطاف الحرب الأهلية في لبنان لم تؤد إلى انتصار طرف واحد، بل أدت إلى تدمير البلد، وهو ما يجري في سورية الآن. ومن المؤكد أنه لن يكون هناك منتصر، والكل في هذه الحرب خاسر، ولذلك الانتصار فقط يمكن أن يأتي من خلال وقف الحرب والانتقال إلى العملية السياسية على أسس سليمة. أما ما هي هذه الأسس؟ فلنترك السوريين أنفسهم يجلسون ويقترحون الحلول. حتى لو كان رحيل بشار الأسد هو الثمن؟ - لا نعتقد أن هذا هو السؤال الأول، السؤال: ما هو مصير سورية والمنطقة. الآن مصير سورية والمنطقة بيد روسيا. - بيد الشعب السوري ودول المنطقة، أما نحن فجاهزون لأن نساعد، وحتى عندما نحكي عن «داعش»، فالانتصار على هذا التنظيم مهم لكل دول المنطقة، والمجتمع الدولي كله. ولذلك تركنا لمجلس الأمن اتخاذ القرار الجماعي لمحاربة «جبهة النصرة» و«داعش» والمنظمات الإرهابية الأخرى. الجيش الحر «هلامي».. ولكن روسيا مستعدة للانفتاح عليه على رغم أن سفير روسيا الاتحادية لدى المملكة أوليغ أوزيروف، كرر في حواره مع «الحياة» مصطلح «الهلامي» في وصف الجيش الحر السوري، فإنه أبدى انفتاح بلاده وجاهزيتها للحوار مع «الجيش الحر». لكنه سأل: «أين هو هذا الجيش؟». وقال: «سألنا الأميركيين ما الأهداف التي يجب أن نضربها؟ ولم نجد جواباً، وسألنا: ما الأهداف التي لا يجب أن نضربها؟ ولكن لم نحصل على أي جواب». وحين سألت «الحياة» السفير الروسي: كيف حركت روسيا قوافلها وطائراتها، وهي لا تعرف ما الأهداف التي ينبغي أن تضربها، ومن الواضح أن مناطق «داعش» لم تضرب؟ أجاب: «لست عسكرياً، ومن الصعب أن أؤكد أو أنفي، لكن قبل قليل تم ضرب مواقع ل«داعش» قريباً من حلب». وعن نتائج الضربات الأميركية لمواقع ل«داعش»، قال أوزيروف: «نحن عملنا أكثر بكثير من الأميركيين خلال هذه الفترة، وخصوصاً في ما يتعلق بضرب البنى التحتية ل«داعش» والمنظمات الإرهابية، مثل المستودعات والأركان الحربية ومراكز التدريب». أما عن توقعاته لحسم المعركة، فقال: «هذا ليس دورنا، فنحن نفعل ما يمكن فعله، أما كيف ستتطور الأمور فليس لدينا شيء. نحن جئنا بدعوة من الحكومة الرسمية، ونضرب مباشرة المنظمات الإرهابية التي تهدد مصالح روسيا الوطنية، لأن في صفوف هذه المنظمات آلاف الناس إما من روسيا، وإما من الجمهوريات الاتحادية». وأضاف السفير: «لا تطلب تركيا من مواطنينا تأشيرة دخول أراضيها. وبالتالي يهرب المقاتل الروسي من سورية، ويركب الطائرة من تركيا، ومن الممكن أن يأتي إلى روسيا. ونحن لا نريد أن يعود هؤلاء إلينا، لا نريدهم».