قال سفير روسيا الاتحادية لدى المملكة العربية السعودية أوليغ أوزيروف في حوار مع «الحياة»، إن بلاده منفتحة على كل فصائل المعارضة السورية إلا الإرهابية منها، مشدداً على أن مصير سورية أهم من مصير رئيسها بشار الأسد. وقال أوزيروف إن الهدف الأساسي من زيارة الرئيس السوري لموسكو هذا الأسبوع كان بحث طرق تسوية النزاع في سورية و «نأمل بأن يؤتي هذا اللقاء ثماره». وتابع: «أي شخص موضوعي يعرف أننا نبذل جهوداً كبيرة لتوحيد صفوف المعارضة، لتعزيز العملية السياسية. ومبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط يلتقي يومياً أقطاب المعارضة، إذ التقى قيادة الحزب الديموقراطي الكردي، وزار القاهرة، والتقى قائد منطقة كوباني (عين العرب)، فلدينا هدف أساسي هو إيجاد التسوية في سورية على أسس ديموقراطية، تحترم مصالح كل القوى الوطنية والقوميات والطوائف الدينية، بما في ذلك الأكراد. وهذه التسوية يجب أن نؤمّن من خلالها حقوق كل الأقليات، الدينية والعرقية، في إطار دولة علمانية ذات سيادة موحدة». وعن سبب استبعاد إيران من اجتماع فيينا (السعودية وروسيا وأميركا)، قال: «نحن مع مشاركة إيران وتركيا وكل جيران سورية، وكل الدول التي تشارك في ما يجري في سورية. ونحن مبدئياً مع مشاركة إيران وكل الدول الإقليمية، لكن كيف ومتى سيتم الوصول إلى اتفاق على صيغة المشاركة؟ فهذا أمر نتركه للمستقبل». وقال السفير الروسي: «طرحنا من البداية فكرة جبهة موحدة لمواجهة «داعش» والمنظمات الإرهابية الأخرى في سورية، ولم يكن هناك ما يمنع الانضمام إلى الائتلاف بقيادة أميركا، لولا أن هذا الائتلاف يعمل من دون موافقة دولية، فهو لا يمتلك قراراً من مجلس الأمن، أو دعوة من الحكومة السورية». وأوضح: «نقترح أن يقوم مجلس الأمن باتخاذ هذا القرار على أساس محاربة تنظيم «داعش» والقوى الإرهابية الأخرى. لأن هذا سيمنح الشرعية لكل من يشارك، وسيفتح المجال للتنسيق بين الدول. فأنتم تعرفون أننا اتفقنا مع الأميركيين لتفادي الاصطدام في الأجواء السورية، وهذه خطوة أولى. ونحن منفتحون على مواصلة الاتصالات مع الطرف الأميركي لتنسيق الجهود في سورية وخارجها. ولكن حتى الآن لم يقبل الأميركيون هذا الاقتراح». وتابع: «نحن لا نرى تناقضاً في مواقفنا تجاه «داعش» و «جبهة النصرة»، ما نريده فقط أن يكون هناك أساس قانوني واضح، وأن يكون هناك تنسيق من أجل الوصول إلى مستوى فعالية عالية، لأن الملاحظة الثانية أن مستوى الفاعلية لدى الائتلاف الأميركي كان ولا يزال متدنياً من ناحية النتائج، على رغم أنه كان هناك 602 من الغارات الجوية. لكن هذا لم يؤد إلى تدمير أو تباطؤ قدرات «داعش» بل العكس، نما التنظيم وأصبح أكبر مرتين مما كان عليه. وأصبح تعداد أتباعه يفوق 50 ألفاً، بل وصل إلى 100 ألف مقاتل. ولذلك أقول إن الأميركيين ليست لديهم معلومات دقيقة عن الأهداف على الأرض. ونحن سألناهم أكثر من مرة: إذا كنتم تقولون إنكم تضربون أهدافاً تتبع ل «داعش» فأعطونا هذه الأهداف. وهم لم يقولوا لنا شيئاً». وعن موقف موسكو من «الجيش الحر»، قال: «حاولنا إيجاد قيادة الجيش الحر. ولكن نجد أحياناً أنه منظمة وهمية، أو صغيرة جداً لا تؤثر في سير الأمور. كما نعرف من خلال المعلومات على الأرض أن كثيراً من المنظمات المعارضة إما أن تتحد مع «داعش» أو «جبهة النصرة»، وإما أن تنتقل من فرع إلى آخر من المعارضة. وبعضهم يتخلون عن علم ويأخذون آخر، ويحاربون تحت رايات متعددة». لكنه زاد: «لدينا حوار مع حزب الاتحاد الكردي، وهو جزء من المعارضة، ونحن لا نعتقد أن المعارضة هم «داعش»، وأنا قلت من البداية: نحن نقف مع جميع الأطراف، كي نفهم من يدعم «داعش» ومن يدعم التسوية السياسية على أسس سليمة، وعلى أسس ديموقراطية». وشدد على أن روسيا «تتمسك بالحل السياسي، ولكن قبل أن ننتقل إليه من المهم جداً أن نزيل العامل الإرهابي من الساحة، وفي ظل مشاركة الإرهابيين نرفض الحل السياسي. فكيف تتصورون عملية سياسية وثلث الأراضي السورية تحت سيطرة الإرهابيين. هذا مستحيل». وتحدث عن لقاء الرئيس فلاديمير بوتين بالأسد، قائلاً: «شرحنا له بكل وضوح موقف روسيا تجاه سورية. ليس لدينا ازدواجية في المعايير، فلدينا المعايير ذاتها تجاه اليمن وتجاه سورية، وليس هناك فرق، وننطلق من المبادئ ذاتها المنصوص عليها في ميثاق الأممالمتحدة والشرعية الدولية. لدينا هدف واحد في اليمن وسورية، هو إيجاد حل يأتي بالسلام والاستقرار والأمن إلى المنطقة. والذي يستجيب للحل، ويستجيب لمصالح الشعب السوري أولاً، وليس لمصالح القوى الخارجية». وقال: «لا تملك روسيا طموحات استعمارية أو مصالح توسعية في الشرق الأوسط. وهذا واضح. ونحن لا نحتاج إلى النفط والغاز والأنابيب، فلدينا كل شيء متوافر. فنحن لدينا 38 في المئة من الموارد الطبيعية التي يملكها العالم كله، ونحن نصدّر. ولكن لدينا مصالح أمنية، ومصالح مرتبطة باستقرار المنطقة». وسُئل عن الضرر الذي لحق بروسيا جراء انخفاض أسعار النفط ودخول السعودية أسواق شرق أوروبا، فأجاب: «أنتم تبيعون في بولونيا، ونحن نبيع في الصين، النفط مثل السيارة والهواتف المتحركة والسلع كافة، تخضع للمنافسة. والمنافسة أمر سليم وتتسبب في انخفاض الأسعار. صحيح أن هناك أموراً سلبية في انخفاض الأسعار. لكن هناك إيجابيات، مثل أن هذه المرحلة هي فرصة لتطوير صناعات جديدة، كي لا نعتمد على النفط فقط. وللمناسبة، يجب ألا نعطي حجماً أكبر لتبعية الموازنة الروسية للنفط. لأنه ليس ارتباطاً مصيرياً، ولا يمكن أن نعيش من دونها، لأن 50 في المئة من الموازنة يأتي من موارد أخرى. هناك دورة في الاقتصاد العالمي، فهناك فترات ترتفع فيها الأسعار ثم تنخفض. وفي التسعينات انخفضت أسعار النفط فلم نمت، ولن نموت في هذه الفترة. وبالتأكيد سنتغلب على هذه الصعوبات». وشدد على أن «ليس هناك حل عسكري في سورية، هناك فقط حل سياسي، والعمل العسكري موجود فقط من أجل ضرب القوى الإرهابية التي نستثنيها، ونستثني مشاركتها في العملية السياسية. لأن لديها أهدافاً مختلفة، فهم لا يريدون أي تسوية، هم يريدون التوسع وتدمير البلد وضرب الأقليات». وقال: «ندعم سورية دولة علمانية موحدة، مع ضمانات لحقوق كل الأقليات، وكل الطوائف. وساهمت المملكة كثيراً في إيجاد هذه التوازنات الجديدة بعد الحرب الأهلية في لبنان. ونعتقد الآن أننا بجهودنا المشتركة يمكن أن نصل إلى نتيجة إيجابية في سورية، كما حصل في لبنان. وفي نهاية المطاف الحرب الأهلية في لبنان لم تؤد إلى انتصار طرف واحد، بل أدت إلى تدمير البلد، وهو ما يجري في سورية الآن. ومن المؤكد أنه لن يكون هناك منتصر، والكل في هذه الحرب خاسر، ولذلك الانتصار فقط يمكن أن يأتي من خلال وقف الحرب والانتقال إلى العملية السياسية على أسس سليمة. أما ما هي هذه الأسس؟ فلنترك السوريين أنفسهم يجلسون ويقترحون الحلول». وسُئل عما إذا كان رحيل الأسد هو الثمن، فرد قائلاً: «لا نعتقد أن هذا هو السؤال الأول، السؤال: ما هو مصير سورية والمنطقة. ... المصير هو بيد الشعب السوري ودول المنطقة، أما نحن فجاهزون لأن نساعد، وحتى عندما نحكي عن «داعش»، فالانتصار على هذا التنظيم مهم لكل دول المنطقة، والمجتمع الدولي كله. ولذلك تركنا لمجلس الأمن اتخاذ القرار الجماعي لمحاربة «جبهة النصرة» و «داعش» والمنظمات الإرهابية الأخرى». وعن التدخل الإيراني في سورية والانتقادات السعودية لذلك، قال: «أتفهم أن هناك بعض المسائل العالقة في العلاقات بين السعودية وإيران. وحل هذه المسائل يجب أن يتم من طريق الحوار بين الطرفين. وأعتقد أن وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير عندما جاء إلى الرياض كان يقول الكلام ذاته. من الواضح أننا لا نريد حرباً أو نزاعاً في المنطقة، بالعكس نريد وقف النزاع والقتال. ونتمسك بفكرة الأمن والاستقرار في المنطقة. وهنا وحدة مواقف مع المملكة. وفي ما يخص إيران أنا كذلك استفسرت أكثر من مرة: لماذا لم تطرح السعودية هذا السؤال طوال 30 عاماً؟ فوجود تأثير إيراني في سورية ليس أمراً جديداً، فهو من 1979. لكن فقط في السنوات الأخيرة بدأت السعودية تتحدث بصوت عالٍ عن دور إيران في سورية، فهذا عامل جديد نسبياً. كما نعتقد أن إيجاد تسوية في سورية يحتاج إلى جهود مشتركة، ومن دون هذا التنسيق من الصعب جمع كل القوى. ونعتقد بضرورة التغلب على هذه المشكلات، وإيجاد صيغة الحوار».