ردت سلطات الإحتلال الإسرائيلية على عمليات الطعن التي نفذها شبان فلسطينيون أخيراً، بإنذار عائلاتهم بأنه سيتم هدم منازلهم خلال 72 ساعة، في إجراء عقابي ضد منفذي الهجمات، لم يثبت فاعليته في ردع الفلسطينيين. وقالت وزيرة العدل الإسرائيلية أييليت شاكيد الأسبوع الماضي في تصريحات نقلتها الإذاعة الإسرائيلية إن «وزارتها ستتخذ إجراءات سحب الجنسية أو حق الإقامة الدائمة من منفذي العمليات وعائلاتهم، وسيتم أيضاً مصادرة أملاكهم وهدم منازلهم». وتنتهج إسرائيل سياسة هدم منازل الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة على سبيل العقاب منذ العام 1967. وتغيَّر مدى استعمال هذه الوسيلة على مرِّ السنين، بما في ذلك مدة تصل الى حوالي أربعة أعوام (1998 – 2001) لم تستعمل فيها إسرائيل هذه الوسيلة. وكان الهدف المُعلن من هدم البيوت هو الحاق الضرر بأقارب الفلسطينيين الذين نفذوا عمليات ضد الإسرائيليين، من أجل ردعهم عن تنفيذ مثل هذه العمليات. لكن المتضررين الفعليين من هدم البيوت هم من أفراد الأسرة، بينهم النساء والمسنون والأطفال. وعلى رغم أن إسرائيل تقول إنها تهدم بيوت منفذي العمليات فقط، إلا أن قوات الاحتلال هدمت البيوت المجاورة لها خلال انتفاضة الأقصى التي استمرت نحو خمس سنوات (2000 – 2005). عدم جدوى هدم المنازل وعلى رغم أن إسرائيل تعتبر هدم المنازل عقاباً رادعاً، لكن الكولونيل احتياط أريه شاليف قال في كتابه عن الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ان تأثير العنف زاد في أعقاب هدم المنازل. وفي شباط (فبراير) 2005 خلصت لجنة عسكرية إسرائيلية إلى أن سياسة هدم منازل الفلسطينيين الذين ينفذون عمليات عسكرية ضد اسرائيل غير مجدية في ردعهم عن مواصلة المقاومة، ما دفع وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك شاؤول موفاز إلى الموافقة على توصيات بوقف"موقت" لهدم البيوت. وصادق موفاز على توصيات اللجنة المذكورة التي أمرت بتشكيلها رئاسة الأركان على تغيير السياسة المتبعة لهدم البيوت. وقرر «التوقف عن استخدام صلاحية هدم البيوت من أجل الردع». وتوصلت الدراسة التي أجرتها اللجنة، انطلاقا من حسابات «الربح والخسارة» إلى أن هدم منازل عائلات الفلسطينيين «لا يشكل رادعاً في غالبية الحالات، وان الاضرار الناجمة عن الهدم تفوق المكاسب وذلك لان الردع المحدود في أحس الحالات لا يوازي الحقد والكراهية اللذين تثيرهما عمليات الهدم لدى الفلسطينيين». لكن التقرير الذي أعد آنذاك لم يتطرق إلى هدم آلاف البيوت، خصوصاً في قطاع غزة، لخلق مناطق عازلة، أو في إطار سياسة "العقوبات الجماعية" ضد الفلسطينيين. كما تجاهل الأسباب الإنسانية التي توجب وقف هذه السياسة، والتعويض على الذين كانوا ضحايا لها. وجاءت استنتاجات اللجنة مطابقة لتقرير داخلي للجيش الإسرائيلي نشر العام 2003، أشار إلى أنه «لا يوجد أي إثبات بأن هدم البيوت يقلص العمليات»، وإلى أن عدد العمليات الفلسطينية ارتفع بعد قيام الجيش الاسرائيلي بأعمال الهدم التي أعلن استئنافها رسميا العام 2002، وأدى الى «نتائج عكسية بعدما شكل ذلك حافزاً لتنفيذ مزيد من العمليات». ولم تتوقف إسرائيل عن استخدام هذه السياسة العقابية منذ الانتفاضة الثانية، لكن وتيرة تنفيذها تفاوتت، إلى أن عادت إلى السطح مرة أخرى مع تزايد عمليات الطعن التي ينفذها فلسطينيون أخيراً، والتي لم تستطيع تل أبيب التصدر لها. لا يوجد حل سحري لوقف الهجمات وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في تشرين الأول (أكتوبر) الحالي عدم وجود علاج سريع لموجة الهجمات الفلسطينية الفردية التي تعرضت إليها إسرائيل في الأيام الأخيرة، وقال: «نحن في خضم موجة إرهاب... الإجراءات (التي نتخذها) لن تجني نتائج فورية مثل السحر، لكننا بعزم ممنهج سنثبت أن الإرهاب لا يفيد وسنهزمه». وأضاف أن حكومته ستتخذ إجراءات قوية ضد الحركة الإسلامية في إسرائيل وضد آخرين يحرضون على العنف. كما قال وزير دفاعه موشي يعلون إنه لا يوجد ما يدعو إلى شن هجوم كبير في الضفة الغربية، مضيفاً أن عمليات محددة لاعتقال المسلحين ستكفي في مواجهة ما وصفه بأنه «تحد معقد». وعزز اعتراف نتانياهو بأنه لا يملك حلاً سحرياً لوقف الهجمات شعوراً بالعجز لدى الإسرائيليين، وتفضيلهم البقاء في البيت على الخروج إلى مجمعات التسوق أو التجول في الشوارع. ووجهت إحدى الأمهات رسالة لنتانياهو عبر صحيفة «يديعوت احرونوت» قالت فيها انه «لم يعد لنا مكان آمن سوى البيت، هذا الذي يمنحنا بابه المغلق أوهاماً من الشعور بالأمان»، مضيفة: «في هذا الواقع المشوه الذي نعيشه، فإننا تحت نوع من الحصار، كل يلتزم بيته، يعيش في عزلة، يشعر بالاختناق، وهذا لا يطاق». كما دعا رئيس بلدية القدس من لديهم تراخيص أسلحة إلى حمل أسلحتهم. وأبلغ اثنان على الأقل من أصحاب المتاجر التي تبيع أدوات وأسلحة الدفاع عن النفس، وسائل إعلام إسرائيلية بأن الطلب على المسدسات ورذاذ الفلفل يشهد زيادة كبيرة. وتقر الأذرع الأمنية بشبه استحالة تعقب الأفراد الذين يعدون لهجمات طعن، مكررة أن ما يحصل الآن يختلف تماماً عن الانتفاضتين السابقتين، في غياب قيادة تخطط وتعطي الإشارة للتنفيذ، كما كان يحصل في الماضي.