أسبوعان يفصلان تركيا عن أغرب وأهم انتخابات برلمانية تنظّمها في ظل أجواء أمنية وسياسية تعتبر الأخطر منذ تأسيس جمهوريتها الحديثة، إذ لا تزال تهديدات تفجيري تنظيم «داعش» في أنقرة الأسبوع الماضي تلاحق المواطنين وغالبية الأحزاب، التي اضطرت إلى تعليق حملاتها الانتخابية لأسباب أمنية. وألغى ذلك الأجواء الحماسية للانتخابات، وحصر مشهدها في صور وإعلانات لمرشحين تنتشر في الشوارع بلا حضور أصحابها ميدانياً. أما الاستثناء الوحيد فكان مرشحو حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، الذين استفادوا من سلطة حزبهم على أجهزة الأمن والشرطة التي تتهمها بقية الأحزاب بالتواطؤ مع «داعش» وخلايا إرهابية. سياسياً، يبدو الجميع مستسلماً لفكرة ضرورة تشكيل حكومة ائتلافية، وعدم حصول تغييرات كبيرة في نتائج الاقتراع السابق في 7 حزيران (يونيو) الماضي. ورجّح استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «سونار» تراجع التأييد لحزب «العدالة والتنمية» نقطة واحدة، ونيله نسبة 40 في المئة من الأصوات، ما يعني زوال فرصته في استعادة الحكم المنفرد، في مقابل ارتفاع نسبة التأييد لحزب الشعب الجمهوري المعارض إلى 28 في المئة، واحتفاظ حزب الشعوب الديموقراطي الكردي بنسبة تأييد 13 في المئة، وحزب الحركة القومية (15 في المئة). ويبدو أن الرئيس رجب طيب أردوغان بدأ يمهّد للتأقّلم مع هذا الواقع، إذ خاطب معارضيه قائلاً: «لقد شككتم في شرعية القصر الرئاسي، لكنكم ستأتون صاغرين أو طواعية»، في إشارة إلى احتمال دعوته زعماء الأحزاب لمناقشة الوضع الأمني في البلاد، وهو ما رفضه فوراً معظم قادة المعارضة باستثناء كمال كيليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري المرشّح لدخول الحكومة. كما رجّحت استطلاعات للرأي استمرار تراجع شعبية الحكومة حتى موعد الانتخابات، بعدما فشلت في التعتيم على أخبار التحقيق في تفجيري أنقرة اللذين حصدا 103 قتلى. وتجاوزت معظم وسائل الإعلام قرار الادعاء العام حظر نشر معلومات عن التحقيق، بحجة أن «جزءاً من إجراءات التعتيم على تواطؤ الحكومة وأجهزة الأمن مع خلايا داعش الإرهابية». وكانت التحقيقات أشارت إلى إهمال أمني في ملاحقة خلايا ل «داعش» تضم مواطنين قاتلوا في سورية ثم عادوا، وتأهّب انتحاريين أتراك لشنّ هجمات جديدة. وعلى صعيد العمليات ضد حزب العمال الكردستاني، واصل الجيش هجماته على «أوكار الحزب داخل البلاد وفي شمال العراق» على رغم تعليق «الكردستاني» إطلاق النار. وقال قائد الأركان الجنرال خلوصي أكار: «ستستمر عملياتنا حتى القضاء على الكردستاني الذي وجّهنا إليه ضربات قوية في الأيام الأخيرة». في المقابل، دعت زعيمة حزب الشعوب الديموقراطي فيغان يوكسيك داغ الحكومة إلى وقف عملياتها العسكرية ضد «الكردستاني»، وسألت: «كيف تخطط الحكومة الجديدة التي سيشارك فيها داود أوغلو لاستئناف الحوار والمفاوضات مع الكردستاني، في وقت تصر على القتال على رغم وقف النار؟». ووسط هذه الأجواء الانتخابية الملتهبة، يعلّق الرئيس أردوغان آمالاً كبيرة على زيارة المستشارة الألمانية أنغيلا مركل إلى أنقرة اليوم من أجل إنعاش أصوات الحزب الحاكم في حال كسب منها وعوداً مالية وتسهيلات عبور للأتراك إلى منطقة شنغن الأوروبية. ويندرج ذلك ضمن صفقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي مهّدت لها زيارة أردوغان لبروكسل قبل أسبوعين، تقضي بإنشاء مزيد من المخيّمات للاجئين السوريين في تركيا، ومنعهم من العبور نحو أوروبا.