لمّح الحزب الوطني الحاكم في مصر إلى أنه لن يستجيب لمطالب مجموعة من النخب بتعديل الدستور، خصوصاً المادة 76 المتعلقة بالشروط الواجب توافرها في المرشح لانتخابات الرئاسة. وصعدت هذه المطالب إلى واجهة الأحداث أخيراً عقب عودة المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي إلى القاهرة وإبدائه استعداداً للمنافسة على الرئاسة في حال تعديل الدستور بما يتيح فرصة الترشح أمام المستقلين. واستدعى الجدل الذي أحدثه البرادعي والنظرة إليه على أنه «فرصة للتغيير» تعليقات من القيادة السياسية جاءت كلها في اتجاه تأكيد عدم وجود نية لتغيير الدستور، إذ رهن الرئيس حسني مبارك ترشيح البرادعي للرئاسة بالتزامه بالدستور، وكذلك اعتبر الأمين العام المساعد أمين السياسات في الحزب الوطني جمال مبارك - الذي يرى معارضون أن هناك مخططاً لتوريثه الحكم - أن المرشح المستقل في انتخابات الرئاسة «يمثل استثناء» في أن القاعدة هي ترشيح ممثلي الأحزاب. وقال جمال مبارك في لقاء شبابي في محافظة الأقصر (جنوب مصر)، أول من أمس، إن الدستور «لا يُعدّل بمقال في جريدة»، واعتبر أن الشروط الواردة في المادة 76 من الدستور لا تمثل قيوداً بقدر ما هي «ضمانات وتسهيلات للأحزاب» لأن منصب رئاسة الجمهورية منصب مهم ويجب أن يختلف الترشيح له عن أي انتخابات أخرى. وما بين إصرار الحزب الوطني على عدم تعديل الدستور ورفض البرادعي الانضمام إلى أي حزب، فإن فرص خوض الأخير انتخابات الرئاسة تبدو ضئيلة. إذ تشترط المادة 76 أن يؤيد المتقدم للترشيح 250 عضواً على الأقل من الأعضاء المنتخبين في مجلسي الشعب والشورى والمجالس الشعبية المحلية للمحافظات، على ألا يقل عدد المؤيدين عن 65 من أعضاء مجلس الشعب، و25 من أعضاء مجلس الشورى، وعشرة أعضاء من كل مجلس شعبي محلي للمحافظة من أربع عشرة محافظة على الأقل. وقال مساعد مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور نبيل عبدالفتاح ل «الحياة» إن استمرار الأوضاع على ما هي عليه هو أكثر السيناريوات المحتملة في الحالة المصرية. وأضاف: «النظام الحاكم سيستمر في اللجوء إلى استبعاد جماعة الإخوان من الحياة السياسية وتوجيه ضربات إجهاضية للجماعة على مستويات مختلفة بالتوازي مع تقزيم أي آمال حول إمكان تطوير الحياة السياسية في المستقبل». وتوقع عبدالفتاح أن يلجأ النظام إلى «إيجاد أي شكل من أشكال العزل والربط مع الطبقتين الوسطى والفقيرة من أجل جذب شرائح لا تهتم بالمنافسة السياسية وتغلّب مصالحها الآنية على المستقبل وتقديم مجموعة من الحوافز والمزايا الاجتماعية وبعض الآمال في تطوير النظام الصحي والتعليم والتوظيف وتأجيل تطبيق بعض القوانين التي لا تحظى بشعبية وتمس دخول هذه الطبقة في محاولة لتبريد السخونة الاجتماعية ومواجهة شبح ترشيح البرادعي وتطويق الحركات الداعية إلى التغيير». وبالفعل عكس تصريح الرئيس مبارك بأن قانون الضرائب العقارية «لم يحسم بعد» على رغم إقراره من البرلمان وصدور قرار جمهوري ببدء تنفيذه وإقرار لائحته التنفيذية، رغبة سياسية في تخفيف حدة الاحتقان الاجتماعي بعدما لقي هذا القانون هجوماً شعبياً كبيراً. إذ إنه على رغم استهدافه الأغنياء لكنه يؤثر ولو في شكل غير مباشر أيضاً في الطبقة الوسطى في مصر. كذلك تعتزم الحكومة طرح عدد من القوانين التي تقول إن هدفها إعادة توزيع الثروة وتعظيم مكاسب الطبقى الوسطى منها قانون المعاشات والتأمينات الاجتماعية الذي يرفع سن التقاعد خمس سنوات إلى 65 عاماً ويمنح المصريين إعانة بطالة لمدة ستة أشهر إذا فقدوا وظائفهم. لكن عبدالفتاح يرى أن هذا السيناريو سيستمر ما بقيت الأمور على ما هي عليه «ولكن إذا تكاتفت متغيرات عدة تؤدي إلى تغير الوضع الحالي فقد يضطر النظام إلى تغيير الدستور بما يتيح للبرادعي الترشح للرئاسة كمستقل». ويرى مراقبون أن شخصية في مكانة البرادعي إن مُنعت دستورياً من خوض انتخابات الرئاسة فسيمثل ذلك إحراجاً للنظام وعواراً دستورياً، لكن عبدالفتاح يؤكد أن «الأمر لا يحسمه إحراج ولكن حجم القوة التي يمتلكها كل طرف على الأرض لتغيير أو إبقاء المعادلة القائمة».