كادت الحلقة الماضية من برنامج «حوار مفتوح» على قناة «الجزيرة» تتحول الى «اشتباك مفتوح» بين ضيفي مقدم البرنامج غسان بن جدو، المرشحين للانتخابات البرلمانية العراقية: حيدر الملا، وحسن سلمان... إذ تجاوز اختلاف الموقف والرأي (والقوائم الانتخابية) بينهما الى «اشتباك كلامي» تجاوز نطاق الحوار باللغة والكلام الى ما أنذر باستخدام الأيدي، ما جعل مقدم البرنامج يشعر بالحرج أمام مشاهديه، وهو الذي لا يريد أن يجعل من برنامجه نظيراً لبرنامج زميله فيصل القاسم «الاتجاه المعاكس»، فأنهى «ضيافته» لهما وعلامات الاعتذار من مشاهديه ترتسم على وجهه، ولكن ليس على وجهي ضيفيه! واذا كانت هذه «المناظرة» جاءت على هذا النحو، فإن «الحملات الإعلانية» لمرشحي هذه الانتخابات تخطت، هي الأخرى، الصيغ المعروفة للتنافس الى «إعلان حال الحرب» بعضها على بعض. وبرز فيها أكثر من «قائد ميداني» يلوّح لخصمه (لا منافسه) باليد لا بالسلاح، داعياً «جماهيره» (أو جنوده المجندة) الى أن تكون بكامل جاهزيتها «القتالية» لإبعاد من أعلن حربه عليهم من الوصول الى «كرسي البرلمان»، بينما وقف آخر متوعداً الفاسدين ومن أفسدوا في أرض البلد وشؤون مواطنيه بشديد العقاب... في وقت اكتفى فيه آخرون بالكلام التلفزيوني غالباً، إذ أصبحت الشاشات ميدان المعركة الرئيس الذي يقطعون فيه عهداً للشعب (المغلوب على أمره) مليئاً بالوعد والتوعد بعدما تحولت المعركة الانتخابية من الطائفية والمذهبية في الانتخابات السابقة الى السياسة والموقف السياسي هذه المرة! ويذكّر واحد من رؤساء القوائم، وقد احتلّ شاشة صغيرة، المشاهدين بالقادة العسكريين الميدانيين في الحرب العالمية الثانية (وكأنه يقلد ما رآه في أفلامها) مهدداً بإزالة آثار المفسدين من على أرض البرلمان ومؤسسات الحكومة، داعياً الشباب من «أنصاره» الى أن يلعبوا «دورهم المأمول» في ذلك. وتبلغ به «حماسته» حد إطلاق الدعوات الشعارات التي تحض الناس على قطع الطريق أمام عودة من أوغلوا في الفساد المالي والإداري (وليس بدماء الشعب!) وبسرقة المال العام ونهب الثروات (وليس من هجروهم وجعلوا شتاتهم على كل أرض)، مؤكداً لهؤلاء «الأنصار» أن الفاسدين يهابونهم، وان لهؤلاء الأنصار القدرة على إزاحتهم واستبدال «الأيدي النظيفة» بهم. ويستعيد آخر دور «موسيليني» و «ستالين» وهو يقف أمام الكاميرا بتقاطيع وجهه «الصارمة» والباعثة على العزم والجدية، مخاطباً أنصاره باعتماد لغة القوة والحسم تجاه «أعدائهم»، داعياً الى طردهم، وهي لغة معهودة في حالات الحروب والنزاعات المسلحة، وليس في لغة التنافس الانتخابي. ولعل المثل الصارخ لهذه الحروب ما يدور على «جبهة» قناة «الشرقية»، إذ أخذت الحرب هنا بعداً آخر: فإلى جانب «إعلانات القوائم المدفوعة الأجر» كانت للقناة «شعاراتها» التي تدعو فيها الى «محاربة المفسدين» والإلقاء بهم خارج المشهد السياسي المقبل، لأنهم خدعوا الشعب الذي انتخبهم وكذبوا عليه، وأن على الشعب ان لا يخدع بوعودهم ثانية... الى آخر ما في لغة الحض والتحريض من مفردات منتقاة بعناية! مقابل هذا، تساهم قنوات فضائية أخرى في «الحرب الدائرة»، ولكن على أساس إعلامي، وليس باستخدام مسدسات «كاتم الصوت». وهنا يبرز البرنامج اليومي الذي تقدمه المحاورة سهير القيسي على شاشة «العربية» وعنوانه «سباق البرلمان»، إذ يبحث في «الملفات النائمة» لبعض الوجوه البارزة ممن تستضيفهم وتتبسط معهم في «مراجعة ماضيهم» كاشفة عن بعض «أوراق اللعبة»، سواء ما كان منها «تنقلاً حراً» بين القوائم، أم من موقف الى آخر، واضعة الوجوه المرشحة للبرلمان الجديد أمام المنتخب وكأنها تقول له: هذه هي حقيقتهم، وعليك أن تميز! وعلى نحو آخر أخذت قناة «البغدادية» تقدّم الوجوه المرشحة وكأنها تقول لمشاهدها: هذا ما استطعت أن أواجه به ضيفي، واضعة إياه أمامكم بكامل دفاعه وقد راعيت الديبلوماسية ما أمكن في المواجهة ولكم القرار. ضمن هذه الأجواء المحتدمة بمعارك «السياسيين الجدد»، يجد عدد من الفنانين المسرحيين أنفسهم مدفوعين الى معترك البرلمان، وقد أغرتهم «كراسيه» فأرادوا استبدالها ب «خشبة المسرح»، معلنين ترشيح أنفسهم، فإذا بهم أشبه ما يكونون بغرباء في عرس ليس لهم ولا هو منهم. والغريب في الأمر أن كاميرات الشاشة الصغيرة التي طالما احتفت بهم فنانين لم تقترب منهم «مرشحين برلمانيين»... والرسالة تكاد تنطق بكلماتها: عودوا الى مسرحكم، وسنلقاكم هناك: فناني شعب لا «نواب شغب».