أثار إعلان الرئيس محمود عباس عزمه وقف تطبيق الاتفاقات الموقعة مع اسرائيل، في خطابه أمام الأممالمتحدة، الكثير من الأسئلة في الشارع الفلسطيني في شأن نية الرئيس، وخطته، وما يمكنه التوقف عن تطبيقه من الاتفاقات، وما لا يمكنه. ويقول بعض معاوني الرئيس إنه يعتزم تحويل القرار إلى خطة عمل، لكن الكثير من المراقبين والسياسيين يرون ان قدرته على ذلك ستكون محدودة. وقال أحمد مجدلاني عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ل «الحياة» ان «خطاب الرئيس هو برنامج سياسي وستجتمع القيادة الفلسطينية لتحويله الى خطة عمل». وأضاف ان «القيادة الفلسطينية شكلت في الآونة الأخيرة لجنتين لمراجعة الاتفاقات الأمنية والاقتصادية، وتقديم توصيات في شأن ما يخدم منها المصالح الفلسطينية للإبقاء عليه، وما لا يخدم هذه المصالح للتحلل منه، بعد ان تحللت اسرائيل من هذه الاتفاقات». ويطالب كثير من الفلسطينيين بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل. وقال مجدلاني «هناك ثلاثة مستويات من التنسيق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، هي التنسيق المدني (بطاقات هوية، جوازات سفر، حركة معابر...)، والارتباط العسكري، وهو ارتباط اوقفته إسرائيل اثناء الانتفاضة، والتنسيق الأمني المتعلق بالمعلومات». ولفت الى ان «التنسيق الأمني يجري اليوم في ادنى مستوياته». لكن الكثير من المراقبين والسياسيين يرون ان الرئيس عباس لا يمكنه احداث تغيير جوهري في العلاقة مع اسرائيل يقود الى مواجهة مفتوحة. وقال جورج جقمان استاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت ان «الرئيس محمود عباس لم يعلن ماذا يريد على وجه التحديد، والسؤال: هل يتجه الى مواجهة مفتوحة مع اسرائيل؟». وأضاف: «هذا يتطلب ارادة سياسية، بخاصة ان اسرائيل في يديها الكثير من الأدوات لمعاقبة السلطة، واستخدمت بعضها في السابق مثل احتجاز اموال الجمارك وتقنين الوقود المرسل الى مناطق السلطة وغيرها». واستبعد جقمان ان يتجه الرئيس الى مواجهة مفتوحة مع اسرائيل، مرجحاً ان يكون تلويحه بوقف تطبيق الاتفاقات «طريقة للضغط من اجل تحسين شروط التفاوض». وقال هاني المصري مدير مركز مسارات للأبحاث والدراسات ان الرئيس الفلسطيني لم يعلن عن خطة لوقف تطبيق الاتفاقات، الأمر الذي يثير الكثير من الشكوك حول نيته الفعلية. وأضاف: «وقف تطبيق الاتفاقات يتطلب خطوات، منها وضع خطة عمل، ووفاق وطني بين مختلف المكونات السياسية الفلسطينية، ولم يحدث اي شيء من هذا». ويرى خبراء الاقتصاد ان قدرة الرئيس محمود عباس على تغيير الاتفاقية الاقتصادية قريبة من الصفر. وقال نصر عبد الكريم استاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت إن «إسرائيل تسيطر على الأرض وعلى المعابر، لذلك فإن أي تغيير في الاتفاق الاقتصادي يتطلب موافقتها». وأضاف: «يمكن السلطة ان توقف العمل بالمقاصة، لكن هذا يعني وقف التحويلات المالية الشهرية، ويمكنها وقف الاستيراد عبر اسرائيل، لكن هذا يتطلب ايجاد معابر بديلة». وتواصلت أمس ردود الفعل الفلسطينية في شأن خطاب الرئيس عباس أمام الأممالمتحدة، إذ رحبت معظم الفصائل الفلسطينية، باستثناء حركة «حماس» ب «مضمون» الخطاب. وطالبت «حماس» عباس في بيان ب «الإعلان الحاسم عن موت اتفاق أوسلو وسحب الاعتراف بالعدو الصهيوني، ووقف التنسيق الأمني فوراً وإطلاق يد المقاومة في الضفة» الغربية. كما طالبت ب «وقف الاعتقالات السياسية والإفراج الفوري عن المعتقلين، والتطبيق الفوري لبنود المصالحة والبدء باجتماع الإطار القيادي الموقت لمنظمة التحرير، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، ورفع الحصار عن غزة، والتوجه فوراً إلى محكمة الجنايات الدولية لملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة». واعتبرت حركة «الجهاد الإسلامي» في بيان أن الخطاب «لم يأت بجديد»، مطالبة ب «مواجهة مشاريع الاستيطان والعدوان المتواصل ضد شعبنا وأرضنا»، و «وقف التنسيق الأمني، والانحياز إلى نبض الشارع وخيار المواجهة والانتفاضة (...) وبالدعوة السريعة إلى انعقاد الإطار القيادي الموقت للمنظمة، ومواجهة الاستحقاقات الداخلية عبر الحوار الجاد والفاعل لبناء جبهة داخلية قوية تتصدى لمخططات العدو». واعتبر عضو المكتب السياسي ل «الجهاد» نافذ عزام أن الخطاب «حمل نقاطاً إيجابية، لكنه أقل من توقعات الشعب الفلسطيني وطموحه». وعلّق عضو المكتب السياسي ل «الجبهة الشعبية» كايد الغول على أن رفع العلم الفلسطيني على مقار الأممالمتحدة «مكسب معنوي للشعب الفلسطيني»، واصفاً الخطاب بأنه «خطوة في الاتجاه الصحيح، يمكن البناء عليه، لبلورة موقف وطني متكامل، يمكن أن يترجم من خلال لقاء وطني أو من خلال مؤسسات منظمة التحرير». وقال عضو المكتب السياسي ل «الجبهة الديموقراطية» صالح زيدان إن الخطاب «أساس ينبغي العمل عليه في المرحلة المقبلة، ويضاف إلى سجل الإنجازات المهمة للقيادة الفلسطينية». وأضاف أن «عقد المجلس الوطني ضرورة وطنية لوضع خطاب الرئيس موضع التنفيذ»، واصفاً رفع العلم بأنه «إنجاز وطني جديد».