بقدر ما أثارت التعديلات الأخيرة في نص قانون المرأة المعنّفة في الجزائر من انتقادات أنصار التيار المحافظ المعترض على الإجراءات المستنسخة، تعالت أصوات أخرى من حقوقيين مدافعين عن حقوق المرأة على طبيعة التعديلات الشكلية التي «لن تضع حداً للتحرّش في الأماكن العامة». الإيقاع بالمتحرّش بالمرأة في الأماكن العامة يُعد ضرباً من الخيال لو سلّمنا بتطبيق القانون، بدءاً من تعرّضها للتحرّش واتصالها بدوائر الأمن إلى اعتقال المتحرّش الذي يكون قد فرّ بعيداً، وفق ما أفادت به عضو شبكة «وسيلة» فاطمة أوصديق إلى «الحياة». وأدرج القانون تعديل «المادة 341 مكرر» من قانون العقوبات المتعلّقة بجريمة التحرّش الجنسي ومضاعفة العقوبة في حالة ما إذا كانت الضحية من المعوقين أو من المحارم، كما استحدثت مادة جديدة لمحاربة مختلف أشكال العنف الممارس ضد المرأة في الأماكن العامة لتجريم التصرفات غير الأخلاقية، مع تشديد العقوبات إذا تعلّق الأمر بقاصر. وصادق النواب خلال آذار (مارس) الماضي على تعديلات جديدة تشدد العقوبة على الرجل الذي يمارس العنف الجسدي والمعنوي ضد المرأة حتى وإن كان زوجها، لكن القانون تعثّر في مجلس الأمة. وتتساءل عضو شبكة «وسيلة» عن الجهات الحكومية التي جمّدت التصويت، قائلة أن «العملية أخافتنا كجمعيات وحقوقيين لإنصاف متضررات من العنف، فهو منتشر في كل مجتمع، لكن بمعدلات أعلى في المجتمع الأبوي». بيدَ أن المشكل في الجزائر، حسب أوصديق، يكمن في تطبيق مواد، ضاربة مثلاً ب «صفح المرأة الزوجة عن تعنيف زوجها قبل الحكم القضائي»، مطالبة من العدالة بأن تأخذ مجراها حتى لو تنازلت الزوجة عن الدعوى القضائية وصفحت لزوجها، لأن حمايتها دور من أدوار الحكومة. انعدام الشهود ويفصل المحامي والناشط الحقوقي الجزائري سليمان شرقي في طبيعة التعديلات المدرجة، موضحاً ل «الحياة» أن «معظم القضايا في العدالة تأخذ طريق البراءة لانعدام الشهود ولصعوبة إحضارهم، سواء ما تعلّق بمسألة التحرّش أو تعنيف المرأة، كما أن القانون لا يناقش المسؤولية المزدوجة (للمرأة والرجل). فهي في طريقة أو في أخرى تستفزه في الأماكن العامة». وبالنسبة إلى معالجة «ظاهرة الاعتداء على الزوجة بالضرب، وإلى أين تلجأ لرفع دعوى طلاق»، يفيد شرقي بأنه يجب أن يكون في حوزتها حكم طلاق وشهادة طبيب شرعي يثبت الضرر، لافتاً إلى أنها تحتاج إلى شهود يشترط ألا يكونوا من الأهل أو الأقارب. وشدد شرقي على ضرورة تكييف القانون ليكون منسجماً مع البيئة الجزائرية، فبعض الأمور مثل الفساد لا يعالج بالقانون ما لم يكن رادعاً، خصوصاً أن قضايا الفساد لم تنتهِ وتقبع ملفاتها في أدراج المؤسسات العامة، معتبراً أن تفصيل قانون العنف ضد المرأة جاء استجابة لضغوط دولية. ومنذ تجميد مجلس الأمة التصويت على القانون، كثفت منظمة العفو الدولية «أمنيستي» ضغوطها على الجزائر. فقد وجّهت إلى رئيس الحكومة عبدالمالك سلال عريضة تحمل 3 آلاف توقيع، لاتخاذ الإجراءات الضرورية من أجل اعتماد قانون حماية المرأة من العنف ووضعه حيز التنفيذ في أقرب وقت، وكذا استحداث مقاربة شاملة لحماية النساء من العنف. لجان صلح بدلاً من السجن ويدعم رئيس الهيئة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها (حكومية) فاروق قسنطيني، مثل هذا القرار ويدعو مجلس الأمة إلى ممارسة حقه الدستوري والإفراج عن مشروع قانون مكافحة العنف ضد المرأة، حفاظاً على سمعة الجزائر أمام المجموعة الدولية وفق قوله. ويرفض قسنطيني مبررات التيار المحافظ (الإسلامي) في تجميد المشروع، لأنه «يراعي الجانب الاجتماعي للمرأة الجزائرية، وهو مستنبط من الواقع والإحصاءات الخاصة بالعنف، وليس مشروعاً منفصلاً عن الواقع الذي تعيشه المرأة والأطفال أيضاً نتيجة العنف داخل الأسرة وفي المجتمع عموماً. وأكد أن الإسلاميين لا يشكلون غالبية في مجلس الأمة، سائلاً: «لذا، كيف لهم أن يكونوا طرفاً معرقلاً المشروع؟». يذكر أن الغالبية في البرلمان الجزائري تتشكّل من حزبي السلطة: جبهة التحرير الوطني والتجمّع الوطني الديموقراطي. واقترح التيار الإسلامي الذي تصدّى لتشريع القانون، بدلاً من تشديد عقوبة السجن «تشكيل لجان صلح وتعيين وسطاء للصلح بين الأزواج عوض اللجوء إلى المحاكم». وطالب نواب التكتل «الإخواني» المعروف اختصاراً ب «الجزائر الخضراء» بسحب القانون لتعارضه مع الشريعة الإسلامية. والمشروع «المستهدف» هو وليد حالات عنف سجلتها دوائر قوى الأمن، وقدّرت بأكثر من 7 آلاف حالة خلال تسعة شهور من العام الماضي، وهو العدد الذي كشف عنه قبل أشهر من تحويل المشروع القانون إلى البرلمان. ويتضمّن عقوبات صارمة ضد الزوج الذي يعنّف زوجته، على أن تشدد العقوبة في حال تسبب التعنيف بإعاقة دائمة أو بتر، لتتراوح بين السجن والغرامات المالية وفق كل حالة وحجم الضرر الناجم عنها. كما تشمل العقوبات حالات الإخلال بالمسؤولية الأسرية، كتخلّي عن الزوجة، سواء كانت حاملاً أو لا، وكذلك الأمر في حالة ممارسة ضغوطات أو تهديدات ترمي إلى حرمانها من ممتلكاتها. وحمل المشروع نقاطاً إيجابية كترك متنفس للأسرة في إعادة المصالحة، إذ يتضمّن مواد تمكّن الزوجة من التخلّي عن الشكوى بحيث تسقط الملاحقة والعقوبة. ودعماً لجهود مكافحة العنف ضد المرأة، أطلقت أخيراً وزيرة التضامن الوطني والأسرة والمرأة منية مسلم، مبادرة تهدف إلى منح جائزة لمكافحة العنف ضد النساء، وأعلنت تكريم الأعمال المنجزة في هذا المجال. وستقدّم الجائزة يوم 25 تشرين الثاني (نوفمبر) من كل عام، لمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة العنف ضد النساء. وستأخذ لجنة الجائزة التي ترأسها مسلم في الاعتبار، الإنجازات العلمية والاجتماعية والثقافية التي حققتها جزائريات.