توقعت مصادر قضائية وأمنية لبنانية رفيعة المستوى ان يؤدي الإنجاز الذي حققه فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي بتوقيفه في مطلع الأسبوع الماضي المدعو م.ع. بتهمة التعامل مع إسرائيل، الى تسليط المزيد من الأضواء على التفاصيل المتعلقة باغتيال الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) أحد قادة «المقاومة الإسلامية» (الجناح العسكري ل «حزب الله») غالب عوالي صباح التاسع عشر من تموز (يوليو) 2004 امام منزله في حيّ معوض في الضاحية الجنوبية من بيروت، والذي عرّف عنه الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله في يوم تشييعه بأنه «واحد من قادة المقاومة الذين نذروا أنفسهم لمساندة إخوانهم في فلسطين». وأكدت المصادر نفسها ل «الحياة» انه بتوقيف م. ع. في منزله في محلة الحازمية – غاليري سمعان في الضاحية الجنوبية يكون القضاء اللبناني أمام معطيات جديدة يمكن ان تساعد على جلاء الحقيقة في جريمة اغتيال عوالي، خصوصاً ان لديه موقوفاً آخر بتهمة التعامل مع إسرائيل يدعى ن.ن. كان أوقف في محلة جل الديب (المتن الشمالي) بتهمة التجسس لمصلحة المخابرات الإسرائيلية وذلك منذ تجنيده عام 1997. ولفتت المصادر الى ان الموقوف ن.ن. كان تنقل بين مسقطه في بلدة الغندورية (جنوب لبنان) وجل الديب مروراً بالضاحية الجنوبية، وقالت ان الأجهزة الأمنية ضبطت معه الأجهزة التي تتيح له رصد ومراقبة وملاحقة أبرز الرموز في «المقاومة الإسلامية». وقالت ان اسم المتعامل الجديد الذي أوقف في مطلع الأسبوع الماضي لم يرد على الأقل حتى الساعة على لسان الموقوف سابقاً بتهمة التعامل ن.ن. الذي كان أدلى بمعلومات على جانب كبير من الأهمية والخطورة في آن معاً في شأن تكليفه من الموساد بمراقبة تنقلات القيادي في المقاومة الإسلامية غالب عوالي منذ ان أقام الأخير مع عائلته في منطقة برج البراجنة في الرمل العالي. وبحسب المعلومات نفسها المنقولة عن مصادر أمنية وقضائية، فإن ن.ن. كان يركز في مراقبته لعائلة عوالي الذي كان يتحرك في أكثر الأحيان من دون مرافقة، على تتبع تحرك زوجته التي تتولى تأمين إيصال أولادها الى المدرسة. وقالت المصادر عينها ان ن.ن. تمكن من معرفة انتقال عوالي وعائلته من الرمل العالي الى شقته الجديدة في حي معوض وذلك من خلال قيامه برصد تنقلات أولاده من المدرسة الى المنزل. وأضافت ان المتهم ن.ن. كان على تواصل مع الموساد الإسرائيلي بواسطة أجهزة الاتصال التي أمنها له أبلغه انه متأكد من تحديد المكان الجديد لإقامته في مبنى يقع في شارع معوض ويقع في جواره من الخلف مرآب يستخدمه عوالي لركن سيارته من نوع «بي أم دبليو». وكشفت ان الموساد الإسرائيلي استعان بالصور التي التقطها من الجو للمبنى الجديد الذي يقيم فيه عوالي، وأنه كلف مجموعة منه بمهمة اغتياله، وأن هذه المجموعة، كما تردد، تمكنت من الوصول الى شارع معوض بعد ان وصلت بحراً الى لبنان من طريق المنطقة الساحلية الممتدة ما بين خلدة والناعمة. وأضافت ان ن.ن. كان يتولى مراقبة المبنى الذي يقيم فيه عوالي مع أفراد عائلته وطلب منه تشديد المراقبة مع وصول الذين نفذوا الجريمة الى منطقة قريبة من الضاحية ومنها الى حي معوض لزرع العبوة في الدفاع الخلفي للسيارة التي انفجرت لاحقاً بعوالي لحظة قيامه بالكشف الروتيني عليها في كل مرة يود التنقل بواسطتها. وأكدت ان تفجير السيارة تم لاسلكياً من قرب بواسطة آلة تحكم من بعد (ريموت كونترول)، مشيرة الى ان المجموعة التي نفذت الجريمة والمنتمية الى فرع العمليات الخارجية في الموساد طلبت من ن.ن. التوقف عن عملية المراقبة وإخلاء المنطقة القريبة من مكان تنفيذ الجريمة. لكن المصادر ذاتها شككت في أقوال ن.ن. بهذا الشأن خصوصاً انه أدلى بإفادات متناقضة بخصوص اشتراكه مباشرة في الجريمة من خلال تكليفه بالضغط على ال «ريموت كونترول» لحظة قيام عوالي بتفتيش سيارته قبل ان يصعد إليها، علماً ان زوجته كانت افادت لاحقاً بأنه زار بعد ايام قليلة من وقوع الجريمة طبيباً مختصاً بأمراض الأنف والأذن والحنجرة لتلقي العلاج من ألم في طبلة أذنه واعتبرت أقوالها بمثابة دليل على احتمال اشتراكه شخصياً في تنفيذ الجريمة بالضغط على زر ال «ريموت كونترول». وأكدت المصادر ان القضاء اللبناني لا يزال يحقق مع ن.ن. في جريمة اغتيال عوالي لا سيما ان لديه من الوقائع والأدلة ما يتيح التدقيق، بصرف النظر عن تراجعه عن أقواله أو إدلائه بإفادات متضاربة. ولم تستبعد المصادر ان يكون للموقوف الجديد بتهمة التعامل مع إسرائيل م.ع. دور في الإعداد لاغتيال عوالي وتحديداً من خلال تأمين انتقال المجموعة التي نفذتها من خلدة الى مكان في الضاحية الجنوبية قريب من حي معوض والإقامة فيه قبل توجهها الى الحي الأخير لزرع العبوة، ذلك ان اتهام م.ع. جاء نتيجة إخضاعه من قبل الأجهزة الأمنية الى رقابة مشددة منذ سنوات علماً ان تعامله مع إسرائيل يعود الى عام 2000، وبدأ بواسطة لبناني من اصل يهودي يدعى إلياهو كلش كان تعرف إليه خلال تردده قبل سنوات الى أوكرانيا في زيارات وصفت بأنها سياحية ولا علاقة لها بعمله الذي يشرف عليه شخصياً في مجال توفير الإضاءة للمسارح والحفلات. وبدأ علاقة مباشرة مع الموساد سرعان ما توطدت بدعوته لزيارة إسرائيل «عندما تقتضي الحاجة» للتأكد من ان تجنيده في محله. ويشار الى ان م.ع. كان يخضع للمراقبة من بعد بحيث اعتقد بأنه ليس ملاحقاً وإلا لكان أوقف خلال مغادرته لبنان والعودة إليه لاحقاً. لكن توقيفه شكّل مفاجأة للذين يواكبون عن كثب مسار التحقيق مع الموقوف الأول في التهمة نفسها مع انهم لم يطلعوا على كامل تفاصيله، لا سيما ان مراقبته ظلت بعيدة من الأضواء وأن التحاليل التي أُجريت للاتصالات الهاتفية التي حصلت قبل وأثناء وقوع الجريمة أظهرت ان المنطقة التي يقيم فيها م.ع. كانت مشمولة بها وأنه كان جزءاً منها. وأكدت المصادر ان توقيف م.ع. تم بناء لإشارة من النيابة العامة التمييزية وأنه يخضع حالياً للتحقيق مع انه كما قالت هذه المصادر، كان بادر الى إتلاف كل ما لديه من أجهزة ووثائق بناء لتعليمات مباشرة من الموساد جاءت في أعقاب تمكن الأجهزة الأمنية التابعة لمديرية المخابرات في الجيش اللبناني وفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي من وضع اليد على العشرات من المتعاملين مع الاستخبارات الإسرائيلية وجميعهم في مجال التجسس والمراقبة والاستطلاع فيما التحقيق جاء للتأكد من ضلوع الموقوف الأخير ومن قبله ن.ن. في جريمة اغتيال عوالي.