لم يخطر على بال إركاديو جيفري بيريدا، الشاب الثلاثيني الفيليبيني المسيحي الكاثوليكي، الذي كان يخطط؛ لأن يصبح كاهناً ناجحاً في المستقبل، وزعيماً دينياً أنه سيعتنق الإسلام يوماً ما، ويغير خططه المستقبلية كلياً. بيريدا نفسه الذي أصبح اسمه الآن «جيفري» فقط، وحل ضيفاً على برنامج «ضيوف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز»، يجد من الصعوبة فهم كيف تحول عن دينه واعتنق الإسلام. ويقول: «إن الله يوجد الوسيلة لكل إنسان، بغض النظر من نحن، ليبيِّن الله لنا الطريق. وشاء الله لي أن أعتنق الإسلام». وروى جيفري ل«الحياة» في مشعر منى قصته في دخول الإسلام، وقال: «ولدت في كنف أسرة متدينة صارمة، ويمكن للمرء أن يقول مكبل، فهي أسرة تمثل العائلة الكاثوليكية الرومانية. لم تفوت صلاة من الصلوات المعتادة في السادسة مساءً، إذ يُطلب من كل واحد منا أن يكون في المسبح للصلاة، وإلا سيعاني من عقاب عدم تناول وجبة العشاء، وحفظت في سن باكرة، وعندما كنت صغيراً، الدعاء وكل شيء يقرأ في الأعياد والصلوات. وكان لدي إحساس وطموح أني سأصبح كاهناً ناجحاً جداً في يوم من الأيام. وبالفعل كان هذا هو ما كنت أخطط له في مستقبلي». ويستدرك بالقول: «فجأة تحول والدي من الديانة الكاثوليكية الرومانية، إلى المسيحية اليهودية، أو ما يسمونه «مسيحي يهودي». وهي النسخة الحديثة والمترجمة من التعاليم اليهودية التي تضم كلاً من العهدين القديم والجديد على عكس اليهودية التقليدية، وبعدها تحولت أنا ووالدتي». ولسنوات ظل الدين الجديد يعزز ميول جيفري الدينية القوية، ووجد نفسه في قيادة الجماعة خلال الدراسات والندوات عن الكتاب المقدس، وكان في طريقه إلى أن يصبح زعيماً دينياً. وذكر: «كنت أدرس الكتاب المقدس في الكنيسة». وعلى رغم سفره إلى الولاياتالمتحدة الأميركية التي مكث فيها سبعة أعوام لتعلم اللغة الإنكليزية، إلا أنه احتفظ بهويته الدينية، ثم عاد مرة أخرى إلى الفيليبين، حيث عائلته وأبوه زعيمه الروحي، وواصل دراسته وحصل على البكالوريوس في إدارة الأعمال، ثم بدأ تحضير رسالة ماجستير في إدارة الأعمال، وحصل عليها خلال عام. وأثناء دراسته الماجستير حصل على وظيفة مدرس في إحدى الكليات في مانيلا، إذ درس اللغة الإنكليزية، ثم توفي والده، وبعد عام من وفاته التقى الطالب السعودي خالد المحمدي، إذ أشرف على دراسته. واستطرد جيفري بقوله: «لم أكن أعرف أن معرفتي بالمحمدي هذا ستكون بداية رحلتي إلى الإسلام، على رغم أن تعليم خالد الإنكليزية لم يستغرق سوى شهرين. إذ تطورت علاقتنا بشكل كبير، وبقينا على اتصال خلال دراسته الإنكليزية معي، وعندما ترك الجامعة والتحق بأخرى؛ استمرت علاقتنا، إذ كان يحرص على إرسال مقاطع فيديو حول الإسلام. كما أحضر كتباً عن الإسلام وأجزاء صغيرة من القرآن باللغة الإنكليزية، غير أنني لم أكلف نفسي عناء مشاهدة تلك المقاطع أو قراءة القرآن، بسبب التخوف من المسلمين». وتطرق إلى صورة الإسلام في الخارج، موضحاً: «كانت لديَّ صورة سلبية عن الإسلام، من وسائل الإعلام التي رسخت ذلك في ذهني، إضافة إلى دروس معلم يهودي كان يقول لنا أشياءً سلبية عن الرسول محمد، وحتى عن الكاثوليك الرومان أنفسهم». وتابع: «كان خالد يسألني في كل مرة نتحدث فيها عن الكتب ومقاطع الفيديو عن الإسلام، وما إذا كنت قرأت أو شاهدت شيئاً، وكنت أقول نعم، وهو كذب، لذلك أزعجني كثيراً ضميري، فلا أحب الكذب، خصوصاً مع صديقي، لذلك قررت مشاهدة مقاطع الفيديو ثم بدأت قراءة الكتب، واستمتعت بهم؛ إذ أرشدني صديقي إلى طريق المعرفة التي فتحت قلبي وغيرت من نظرتي عن الإسلام بشكل كامل». ويثمن جيفري دور المحمدي، قائلاً: «صديقي المحمدي أعطاني كل الأشياء الجيدة، ولم يعد لدي أي تخوف تجاه الإسلام، وزاد فهمي للإسلام. وفي إحدى الليالي، وبينما كنت نائماً بعمق، رأيت حلماً أستطيع وصفه بأنه كان واضحاً جداً، ويتكون من جزأين، الأول منه كنت أشاهد فيه من بعيد جموعاً من الناس يطوفون في دائرة، في ما يمكن وصفه بأنه نصب مربع أسود اللون، وكنت وكأني في الطابق الثاني للمبنى، وفي لحظات رأيت نفسي أمشي داخل الدائرة وكنت في حيرة؛ لأنني كنت ارتدي رداءً أبيض اللون تماماً، كما كان الجميع، ثم اقتربت أكثر وأكثر من جدار هيكل أسود كبير به بعض الكتابات بالذهب حوله، وكنت على وشك أن ألمس الجدار». وزاد: «نظرت إلى يميني ووجدت صديقي خالد يمد لي يده اليمنى، ولمسنا الجدار في الوقت نفسه، وبمجرد أن وضعنا أيدينا عليه شعرت بدوامات من الرياح القوية حولنا وداخل أجسامنا، ولسبب ما، نظرت إلى السماء رأيت بصيصاً من ضوء يهبط منها، وكأن السحاب تفسح المجال لدخول هذا الضوء ليشرق عليّ أنا». وروى جيفري أنه في الجزء الثاني من الحلم، «رأيت نفسي أسير داخل مسجد كبير جداً، مع أناس كثيرة، كنت أسير حولهم في ذهول وأنا أمشي في وتيرة طبيعية حتى النهاية مرة أخرى، وهنا جاءت يد صديقي خالد اليمنى تسحبني ويطلب مني المشي بخفة وليس ببطء، وهو ما جعلني أتساءل لماذا، وبعدها استيقظت مشوشاً، وكنت واثقاً أن ما رأيته في الحلم في مكةالمكرمة بالسعودية». ولم يضيع الوقت، وكتب لصديقه خالد على «واتسآب» حلمه، وأبلغه صديقه في نهاية المطاف أنه يراه «مسلماً حقاً كما المسلمين في يوم من الأيام، غير أني لم أستوعب فكرة التحول، وظلت صورة الحلم تلاحقني ومطبوعة في قلبي، وبعدها حلمت مرتين بأنني في السعودية ويد صديقي اليمنى ترشدني، وشعرت بالإحساس السابق، وأنا على يقين أنني في السعودية، بسبب الأعداد الكثيفة من البشر، وهو بالضبط ما رأيته خلال أدائي مناسك الحج هذا العام، في ضيافة خادم الحرمين الشريفين. وبعد أربعة أشهر من الدراسة والبحث، قرر جيفري النطق بالشهادة، وفعل ذلك في الأول من آب (أغسطس) 2014، ونطق بالشهادة بوجود صديقه خالد، وأصبح مسلماً، وكان أفضل شيء يحدث له في حياته بحسب ما ذكر. وقال جيفري: «إن نعم الله ورحمته لا تنتهي عند هذا الحد، فأنا هنا الآن، والمكان نفسه الذي حلمت به، أفعل الشيء نفسه الذي حدث في الحلم، إذ أعطاني الله فرصة تحقيق المعجزة التي تحدث مرة واحدة على مدى الحياة». واختتم حديثه قائلاً: «النعمة التي تلقيتها الآن، بعد أن أديت مناسك الحج دليل على عجائب الله. أنا هنا في رحلة الإيمان بالله، إذ تحقق الحلم والسكينة للروح».