ربما لم يأت على مجلس الشورى السعودي عهد، تعرض فيه ل «الكي الحارق»، كما تعرض له في دورته الحالية، التي ما زالت حديثة نسبياً. إلا أن طفولتها لم تشفع لها لدى كتاب «سلقوها بألسنة حداد» تتفاوت، لكنها تلتقي عند «اتهام المجلس بخلوده إلى السبات». وحول ذلك علق الكاتب في صحيفة «الوطن» صالح الشيحي على أحد نقاشات المجلس، ليصل في مقال نشره في الصحيفة نفسها إلى القول «المجلس دخل منذ أشهر عدة مرحلة سبات عجيبة. جاءت فاجعة جدة لتؤكد ذلك تماماً... لم يتبق أحد لم يتحدث عن الفاجعة... وحده المجلس صمت صمْت القبور»! وفي مقارنة لا تسعد أعضاء الدورة الحالية، أضاف: «بعد أن تفاءلنا خلال العام الماضي بصحوة المجلس من سباته، فوجئنا به يمضي الأشهر الماضية من دون أي أثر... لا أثر إيجابي له في كل ما تمر به البلاد... ولولا فرقعة إعلامية لعضو أو عضوين لما تذكر الناس المجلس. أظن أن السادة أعضاء المجلس في حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لأن يطلعوا على رأي الناس بمجلس الشورى... آخر استطلاعات الرأي غير المباشرة هو تعليقات الناس على (أخبار المجلس في مواقع الصحف الإلكترونية)... تعليقات مشبعة باليأس والإحباط من المجلس». وبعد أن أهدى الشيحي الشورى ما قال إنه انطباع شرائح من الناس، نصح المجلس بمتابعة تلك الآراء ومراقبتها ليعرف آراء الناس في أدائه. واختتم هجاءه اللاذع بخلاصة على هيئة تساؤل، قائلاً: «ما دور المجلس إن لم يكن له أثر مباشر في أي قضية تمس الناس... برلمانات مجاورة تعقد جلسات استثنائية وتخصص جلسات كاملة لبحث قضية بسيطة لكن لأنها تعنى بحياة الناس تصبح قضية مهمة لدى تلك البرلمانات.. بينما في بلادنا يموت الناس بالعشرات وتضيع المشاريع وتتعطل مصالح الناس ولا يجد أعضاء المجلس حرجاً من ارتفاع أصواتهم واحتجاجاتهم العالية أثناء مناقشة مشروع انضمام المملكة للاتفاقية الدولية للسكر»؟! ومع أن هذا المستوى الحاد من النقد للشورى ظل أقل من آخر، أدنى حدة، إلا أن عدم الرضا عن المجلس في دورته الحالية ظل طاغياً بين مقالات عدد من المعلقين السعوديين، فهذا الكاتب البارز في صحيفة «عكاظ» خالد السليمان تناول قضية تحسين ظروف «المتقاعدين» وتفاعل شريحة من أعضاء المجلس معها، بتهكم شديد، وقال: «124عضواً في مجلس الشورى صوتوا مقابل 128 عضواً ضد اقتراح تشكيل لجنة خاصة تدرس مقترحاً بتخصيص علاوة سنوية للمتقاعدين تعادل نسبة التضخم السنوية على ألا تقل عن 5 في المئة! 124عضواً لم يختاروا أن يقفوا على الحياد أمام مشروع قرار يصب في مصلحة المتقاعدين ويعينهم على مواجهة أعباء وتحديات الحياة، فصوتوا ضد القرار بدلاً من أن يصوتوا لمصلحته أو على الأقل أن يمتنعوا عن التصويت وهو أضعف الإيمان». ومضى السليمان في الرمي بشرره في نحو 10 مقاطع، يتبع في كل منها رقم «124» الرافض للموضوع، بأسطر هجاء لاذعة. ويتابع: «124 عضواً انحازوا ضد المتقاعدين بدلاً من أن ينحازوا لهم، وكأنهم لا يدركون أحوال الحياة وأعباء الغلاء وصعوبات المعيشة ... وكأنهم لا يعيشون في مجتمعهم ويرون التحديات التي تواجه المتقاعد الذي يزحف دخله الشهري كالسلحفاة في سباق مع خصم يسير بسرعة الصاروخ يتمثل في غلاء لا يرحم وأعباء لا تريح ومسؤوليات لا تتضاءل!124عضواً خذلوا المتقاعدين وخذلوا واقعهم الخانق. بل حتى في قضايا تبدو أكثر تعقيداً مثل زواج القاصرات، اتجه كتاب إلى تحميل المجلس مسؤولية تبعات القضية وما تعانيه من «تخبط محلي»، جعل الحادثة لا تنتهي حتى تتلوها أخرى أشد وأسوأ، فذهبت الكاتبة في صحيفة «الحياة» بدرية البشر إلى أنه «لم يعد من العقل ولا من الإنسانية أن نقف شهوداً على جرائم الأطفال والصمت عنها (...) ونحمل مجلس الشورى كمؤسسة حكومية مسؤولية كبيرة في ترك هذا الشأن معلقاً، وقد عرفنا اليوم انه أصبح بين أيديهم». وفي مقالة نشرها الكاتب الساخر في صحيفة «الحياة» عبدالعزيز السويد في 2005 اعتبر خبراً نشرته الصحيفة نفسها عن نقاش حاد في المجلس حول موضوع «الفساد»، جاء على غير المعتاد. وقال: «ما تعودنا عليه من مجلس الشورى هو النقاش الهادئ... البارد... درجة التجمد، وما علمنا عن المجلس أنه «مع احترامي للجميع» محطة ينتظر فيها البعض منصباً وكرسياً أعلى، وهو حق مشروع ينبغي ربطه ربطاً وثيقاً بالأداء والإنجاز، أما الحدة في النقاش فهذا أمر جديد علي، وقلت أنني أحكم من خلال النتائج، فماذا أنتج مجلس الشورى؟ وليس في هذا تقليل من أعماله وتقاريره، ولكنني أحكم بما ينفع الناس، فما الذي وصل إلى رجل الشارع والرصيف الذي حدثتكم عنه يوم الخميس الماضي من إنجازات المجلس؟ أين نظام مكافحة الغش التجاري؟ وأين حماية المستهلك وإعادة الحيوية إلى مشروع هيئة حماية المستهلك المستقلة والمحفوظة حالياً في درج من الأدراج»؟ وبين أبرز الأدلة على فاعلية المجلس في نظر الكثيرين، تساؤلات الكاتب نفسه، فمعظم من تساءل عن دور المجلس فيه عام 2005، أصبح اليوم مطبقاً بعد بضع سنين، كما هي الحال في تساؤلات مثل قوله: «أين مجلسنا الموقر من نظام تطبيق البصمات؟ هذا النظام الذي لم ير النور، هل يعلم أصحاب السعادة أعضاء المجلس الموقرون الخسائر السنوية التي تتكلفها الدولة لعدم وجود نظام للبصمات يطبق على القادمين والمسافرين؟ إنه رقم كبير، ولا أستطيع أن أقول إلا أنه بمئات الملايين... فقط في ما يخص كلفة ترحيل العمالة الوافدة المخالفة، ولم تحسب في هذه المئات من ملايين الريالات حقوق الناس التي هربت بها العمالة المخالفة بتذكرة وإعاشة مجانية من إدارة الوافدين، وعودة المبعدين بتأشيرة خروج نهائي من مخالفين ومجرمين مرات ومرات إلى أرضكم المعطاء». أما بالنسبة لحجة الصلاحيات التي يعلق عليها المدافعون أملاً كبيراً، فيخسف بها الكاتب، ويضيف مستبقاً إياهم «سيأتي من يحدثني عن اختصاصات المجلس ودوره المرسوم وهذا لا يقنعني ولن يقنع أحداً، لأنني أجزم أن بيد المجلس وأعضائه الكثير من الممكن، لكنه تحول إلى لجنة ضخمة مرشحة لتضخم أكبر، والله المستعان». وإذا كان النقد امارة على «الخلل» في نظر كثيرين فإنه أحياناً أخرى يكون علامة للحياة، إذ كما قيل «لا أحد يركل هرة ميتة».