تفتتح الأربعاء المقبل الدورة الثامنة من «آرت دبي» في مدينة جميرا، مستضيفة 85 صالة عرض فنية من 34 دولة وأعمالاً لأكثر من 500 فنان. وتعتبر هذه الدورة الأكثر انفتاحاً واستقطاباً للفنون العالمية، بعدما أثبت القائمون على الاحتفالية قدرة وكفاءة في استقطاب أبرز الغاليريات والفنانين، عبر طريقة عمل توازي ما بين اللوحة والفكرة، وطريقة عرضها، وكيفية جذب الجمهور إليها. على أن يختتم «مهرجان الفنون البصرية» في 22 من الشهر الجاري. ومنذ انطلاقته، ساهم «آرت دبي» في إنعاش سوق اللوحة في المنطقة العربية، وتعزيز حضور الفنان المحلي والعربي والآسيوي، وعمل على ترسيخ ثقافة الصورة، والانفتاح على فنون العالم، مبتعداً عن الرقابة المسبقة على الأعمال، محاكياً ثورات عربية، ومساهماً في عرض نتاجها الإبداعي. ولكن، ما جديد الدورة الحالية؟ وما هي المناطق التي لم يستهدفها المعرض بعد؟ ولماذا كل هذا الاهتمام بالفن الآسيوي؟ وكيف أثرت هذه التجربة العالمية في الفنان الإماراتي؟ وما مدى انعكاس نجاح هذه التجربة على الواقعين الاقتصادي والاجتماعي في دبي؟ توضح مديرة معرض «آرت دبي» أنتونيا كارفر في حديث إلى «الحياة»، أن هذه الدورة خصصت قاعة عرض جديدة للفن الحديث، و «سيكون العالم العربي وإيران والهند وباكستان، محور تركيزنا، وسنكون السباقين في هذا المجال». وتضيف: «ثمة 11 صالة عرض، تنظم كل منها معارض فردية أو ثنائية، وهو شيء أردنا العمل عليه لفترة من الوقت، إذ من الضروري إتاحة الفرصة للجمهور لرؤية أساتذة الفن الذين أثّروا في فناني اليوم، والفنانين المفكرين الذين انتشروا في هذه المناطق ما بين أربعينات القرن الماضي وحتى ثمانيناته، ما يساعدنا أيضاً على جذب جمهور جديد إلى المعرض». وعن المناطق التي لم يستهدفها بعد المهرجان، توضح أنتونيا: «ننظر إلى العلاقات بين أميركا اللاتينية والعالم العربي، وفي هذا السياق يدور حوار، كجزء من «منتدى الفن العالمي»، في الدوحة اليوم، بين سولانج فاركاس، مؤسس مهرجان «فيديوبرازيل»، وآلاء يونس، أحد مديري المنتدى، حول إرث الهجرة من العالم العربي إلى البرازيل، ومعنى ذلك من حيث التبادل الثقافي». حاول «آرت دبي» منذ رحلته الأولى، نسج علاقة فنية متينة مع فنون آسيا الوسطى، وإبراز الاختلافات بين فناني الشرق الأوسط وإبداعاتهم والأعمال الآتية من تلك المنطقة. وتشير أنتونيا إلى أن «التركيز على آسيا الوسطى والقوقاز كجزء من «ماركر»، القسم الذي يشرف على تقويمه فنياً لهذه السنة «السلاف والتتر» (Slavs and Tatrs)، له أسباب عدّة منها: الروابط التاريخية بين تلك المناطق والشرق الأوسط، ومع دول الخليج، من خلال التجارة والسفر، ولكن هذه هي المرة الأولى التي يسلّط فيها حدثٌ فنيّ الضوء على حقيقة هذه المنطقة الفنية ويبحث في الروابط بين هذه المناطق، إذ ستعرض أعمال ل45 فناناً». تنوع وإبداع وترى أن الأعمال الفنية متنوعة ومختلفة جداً، مع وجود بعض أوجه التشابه في الاستقصاء حول بعض العناصر مثل العقيدة والتاريخ، والسياسة المعاصرة، والحياة المحليّة. ولكن، في ظل هذا التنوع الإبداعي والأفكار الجديدة والمعاصرة، كيف تقوّم أنتونيا المشاركة العربية؟ تجيب بفخر أن «آرت دبي» يعتبر أكبر معرض لأعمال الفنانين العرب، ومن 500 عمل يستضيفها المهرجان هذه السنة، ينتمي ثلثها إلى المنطقة العربية، وهو «مدعاة فخرٍ بالنسبة إلينا». ويشارك هذه السنة فنانون معروفون أو ممن يتمتعون بشهرة عالمية واسعة، أمثال: منى حاطوم، أحمد السوداني، حسن خان، حسن شريف، سامية حلبي، وائل شوقي، وليد رعد، هافي كهرمان وبشرى خليلي، والمثير للاهتمام في شكل أكبر هو وجود فنّاني الجيل الصاعد. ومن الفنانين المكلّفين إنجاز أعمالٍ لمصلحة «مشاريع آرت دبي» نذكر على سبيل المثل: نادية العياري، يمنى شلالا التي أبدعت درباً من الزهور والأشجار في المعرض، انتقالاً إلى الفنانين الشباب من دول الخليج أمثال سارة الحداد التي تطرز الأعمال التركيبية الضخمة وتنسجها من خيوط الغزل والبلاستيك. وترى أنتونيا أن ثمة الكثير من التنوع والدينامية بين فناني الجيل الصاعد، ما يعني أن هناك أملاً في مواجهة الخيبات الموجودة في نواحٍ كثيرة من العالم العربي اليوم. وعن تطوّر المشاركة المحلية خلال الدورات الماضية، توضح أن «هناك تزايداً في عدد الفنانين الإماراتيين المشاركين في المعرض سنوياً، ويتراوح مشهد الفنون حالياً ابتداءً من «جيل المؤسسين» أمثال عبدالقادر الريس أو حسن شريف، مروراً بفنّاني الجيل الصاعد الوافدين من مختلف الجامعات، والعازمين على متابعة مسيرتهم في هذا المجال وامتهان الفن». ويتميز الجيل الإماراتي الجديد بالإرادة القوية والإصرار والحضور القوي للمرأة في عالم الفنون. برزت في السنوات الأخيرة، أعمال فنية تحاكي ثورات عربية، وتعبّر بواقعية مفرطة عن انتقاد أنظمة وحكام، عارضة حجم المأساة والقمع التي تعرض لها بعض الشعوب، كيف يتعامل المعرض مع تلك التجربة، وهل هناك خطوط حمر أو رقابة مسبقة؟ تجيب أنتونيا بتروٍ: «إننا نعمل في شكل رئيس مع صالات العرض بدلاً من التعامل مع الأعمال الفنية الخاصة بالفنانين في شكلٍ مباشر. وتقترح صالات العرض على الفنانين والأعمال التقدم بطلب المشاركة في المعرض. وتتقدم سنوياً حوالى 300 صالة بطلبات لقسم «كونتيمبوراري» (معاصر)، فيما تختار اللجنة 70 فقط، تبعاً لمعايير الجودة التي تضعها، كنوعيّة العمل ومدى حداثته، إضافة إلى مراعاة التنوع الجغرافي». وتضيف: «بطبيعة الحال ثمة قواعد وأنظمة معمول بها في دولة الإمارات العربية المتحدة والتي تعمل صالات العرض على احترامها والالتزام بها، كأنها شحنة أعمال تمرّ عبر الجمارك، ولكن على رغم ذلك، فإنّك ترى مجموعة واسعة من الأعمال المعروضة، والتي تغطي جميع المواضيع والآراء». «الربيع الفني» وعن «الربيع العربي الفني» توضح: «بعض الفنانين منخرط في شكل مباشر في مختلف الحركات الثورية، فيما تحدث البعض عن الربيع العربي في أعماله، في حين اختار كثيرون النأي بأنفسهم عن هذا الموضوع، فهم لا يزالون في مرحلة هضم الأحداث، متسائلين عن أفضل السبل لتناول هذا الموضوع في الأعمال التي يقدمونها عند اتخاذهم قرار مقاربتها». ولا يحظر أو يمنع «آرت دبي» أعمالاً فنية، ولكن في بعض الأحيان، يشكك المسؤولون الحكوميون والجمارك في أعمال آتية، فيسعوون إلى توضيحات أكبر عن موضوع هذه الأعمال، مستبقين الزيارات المتوقعة للسياسيين وكبار الشخصيات إلى المعرض، ما يعني أن الرقابة موجودة من جانب الدولة فقط. ولكن، من أين تأتي أفضل الأعمال، وأكثرها إثارة للجدل؟ تجيب أنتونيا أن «التنوع موجود وفي شكل كبير، لدرجةٍ يصعب معها اختيار «أفضل» الأعمال، ولكن مما لا شك فيه وجود فنانين بارزين». وعلى سبيل المثل هناك الفائزون ب «جائزة مجموعة أبراج للفنون» لهذه السنة، بشرى خليلي وباسم مجدي، وهما فنانان يعملان في مجال صناعة الأفلام، ولكنهما يعملان أيضاً على وسائط فيلمية مختلفة، وتنطوي أعمالهما على استعمال المواد الوثائقية والكلاسيكية والنصوص والنيغاتيف وغيرها. أعمالهما مفعمة بالأفكار، وقد يجدها البعض مثيرة للجدل، ولكنها أعمال مقنعة كلياً على كل المستويات. وفي ظل الانفتاح على فنون العالم والتجارب المختلفة، بات الاختيار أكثر دقة، إذ «تكمن الصعوبة في مهمة تشكيل اللجنة المسؤولة عن الاختيارات، والتأكد من حفاظنا على التوازن لدينا، لجهة المنطقة التي تأتي منها صالات العرض والفنانون الذين يعرضون أعمالهم. نُطلق دعوة مفتوحة للتقدم بطلبات المشاركة في قسم «كونتيمبوراري»، وهي دعوة مجانية لا تتطلب دفع أية رسوم، وتدرس اللجنة كل الطلبات بعناية فائقة، وتكون المنافسة شديدة جداً» على حد قول مديرة المعرض. وتضيف: «أما بالنسبة إلى قسم «مودرن»، فتقدم لجنة مؤلفة من المؤرخين والقائمين الفنيين النصح لنا، فهم يناقشون مع صالات العرض الأفكار التي تتقدم بها الأخيرة، للوصول معاً إلى الاختيار النهائي. وبالنسبة إلى قسم «ماركر»، هو قسم منسّق فنياً، فإن القائمين الفنيين هم من يحددون الفضاءات الفنية والأعمال الفنية المشاركة». واللافت أن هذه التظاهرة الفنية، أنعشت سوق اللوحة في الشرق الأوسط، وانعكس ذلك على الواقع والاقتصادي، إذ بات يشكّل «آرت دبي» أحد جوانب سوق الفن، ومنصةً لصالات العرض، ومكاناً يجتمع فيه هواة الاقتناء والمتاحف وغيرهم، من أن يتدخل القائمون في المبيعات في شكل مباشر. وترى أنتونيا كارفر أنه لعب دوراً مهماً في توجيه الاهتمام نحو الفنانين وصالات العرض في الشرق الأوسط. ولكنها تحاول مع فريق عملها تأسيس برنامج مستدام إلى جانب قاعات العرض الرئيسة: من أعمال مكلفة وحوارات وغيرها، لتقديم صورة متكاملة لمشهد الفنون، بدلاً من فكرة السوق النمطية.