وجدت ساحة التحرير في بغداد نفسها منذ مطلع الشهر الماضي، تستقبل آلاف العراقيين ممن يحملون الأعلام ومكبرات الصوت، ويحفظون الأغاني ويرفعون شعارات من جمل قصيرة ومكثّفة. ولجأ شبان شاركوا في الاحتجاج، إلى اقتباس عبارات وكلمات رائجة في الذاكرة الشعبية. لم يتركوا شيئاً إلا وبثّوا فيه طاقة الاحتجاج. واستعارت إحدى اللافتات شخصية كرتونية تُدعى «المحقق كونان»، وجعلها المتظاهرون مطلباً يدعو إلى استدعائه ليتكفّل بتقصّي الفساد في العراق، وكان في ذلك تعبير غير مألوف عن حالة اليأس. وفي أجواء الفساد ذاتها، طاف شاب في ساحة التحرير وهو يحمل لافتة كتب عليها باللهجة المصرية، «هاتو الفلوس الّي عليكو»، وفي اقتباس آخر عن مسلسل كوميدي عراقي، وفي عبارة شهيرة لممثل لعب دور البخيل فيه، كتب أحد المتظاهرين «325 عضواً في البرلمان العراقي؟ هذا تبذير... نائب واحد كافٍ». وفي الأيام الأولى للتظاهرات، كان حيدر العبادي رئيس الوزراء، يحظى بدعم من المتظاهرين قبل أن يتضاءل لاحقاً بسبب ما يراه الجمهور تساهلاً أو مماطلة في تلبية مطالب الإصلاح، وفي حينها رفعت صوره وكُتبت عليها شعارات مختلفة في جو الابتكار والاقتباس ذاته. لقد رفع أحد المتظاهرين صورته واقتبس أغنية لسعد المجرد ليقول عن العبادي، «أنت معلم... وأحنه منك نتعلم». تداول عراقيون في مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، هاشتاغ «طفوا الكيزر» - أي سخان المياه - في سخرية ناقمة على ارتفاع درجات الحرارة في العراق هذا الصيف، التي وصلت إلى نحو 50 درجة مئوية، في ظلّ وضع سيئ للطاقة الكهربائية. وفي ساحة التحرير، حمل متظاهرون سخان مياه على أكتافهم وطافوا به المكان، وهم يهتفون ضد وزير الكهرباء. استغلّ المتظاهرون الرموز التي ترتبط بحياتهم اليومية إلى طاقة جديدة للاحتجاج. حملوا نعشاً كتبوا عليه البرلمان العراقي، ورفعوا قضبان حديد للإشارة إلى معاقبة الفاسدين وزجّهم في السجون. واستحضر المتظاهرون بالتراث الغنائي العراقي، وعالجوا مطالبهم بتحوير كلمات وألحان عراقية وعربية. لقد غنوا، «عمي يا بواك (سارق) النفط» وغيرها، وكان لافتاً أن الناس تحفظ سريعاً تحوير الكلمات، وليس صعباً الإنصات الى المئات وهي تتقن توحيد أصواتهم. والحال، أن التظاهر في ساحة التحرير غناء في غناء. أحياناً، يبتكر الناس هتافاً سريعاً ويضعون له إيقاعاً كأهزوجة قصيرة يصدحون بها. لقد وضعت جماعات من المتظاهرين أسماء زعماء عراقيين في أغنية ساخرة، وكان من الواضح أنهم تجاوزوا عقدة الخوف، في أكثر مؤشرات الاحتجاج أهمية هذا العام. ويواصل الاحتجاج العراقي، بغض النظر عن قدرته على التغيير الجوهري في النظام السياسي، ابتكار أساليبه وأفكاره بعفوية تصل أحياناً الى درجة الفوضى، وأخيراً لجأ متظاهرون إلى خلع قمصانهم وظهروا عراة الصدور وهم يحملون لافتة كتبوا عليها: «الحكومة سرقت ملابسي».