يُعد ما جرى على لسان الداعية السعودي «سراج الزهراني» - عبر قناة «العربية» حول ضبابية الصورة المثالية المسبوغة على مشاهد الجهاد الأفغاني في الثمانينات - شاهداً من المكان على أن هناك غسلاً غير شريف للعقول، واتجاهاً بالأجساد نحو المجهول عبر اعتساف نصوص الدين، وليّ الأحكام بما يسمح للدم أن يسيل بالمجان وبلا حقيقة واحدة وبرهان ثابت نتجادل ونجادل ونراهن حوله. يتعامل شبابنا بالمطاط مع نصوص شرعية صريحة وبينة، لأنه يوجد حولهم من يتعب لتفكيك النصوص بالمزاج، والخداع البصري المغري، وعقد الصفقات مع الشيطان لتمرير الشباب المسكين كوقود بشري لجبهات ومعارك، في أراضٍ بعيدة جاء أهلها إلينا لنحتويهم ونحتضنهم، ونؤمن لقمة عيشهم، ونتعاطف معهم، ونرسل شبابنا المتحمس - لأي قضية - للدفاع والجهاد بالنيابة، والهروب من كل حضن دافئ، وبعيداً عن العيون التي ذهبت في ما بعد على فقدهم. تناول الحشيش والتعلق بالتمائم لم يكن آخر ما يكشفه العائدون من الخطوط الأمامية لجهاد الخداع والكذب وغسل العقل، بل حضرت الحقائق متأخرة على لسان من عاين وعايش وشاهد، واكتوى بما زين له تحت تسمية «جهاد». لا يستطيع أن يحرق الجسد الشاب، ويلغي مناطق التفكير، ويشعل بؤر التكفير، إلا ممنوع من العيار الثقيل، حتى يبرر الفضيحة فضيحة أكبر. ومصطلح الجهاد «بألم» واحد من المصطلحات التي أخذت أبعاداً وتعريفات وإغراءات وكرامات لا يمكن تجاوزها من دون توقف، من دون التشديد والتوقف عند تعريف شامل متوازن موحد من منبر واحد، لأن التركيز عليه بوصفه «ذروة سنام» من دون تحديد الوجهة والواجهة والراية وبيان الاشتراطات، هو من يتجه بالشاب من دون خط رجعة وبلا وعي لحدود النار والعار. تأخذنا أدبيات السماع بفتنة أفضال الجهاد عن العجز عن فك ما استعصى على الفهم، والإبحار في قصص خيالية خرافية، لمجاهدين كانوا يوماً ما بأمكنة مختلفة ورايات متنوعة وشعارات مجهولة، وسارت الأمور بعشوائيتها ليكون التوزيع السري لمخدر الحشيش، والتعلق الخفي بتمائم لا تنفع ولا تضر، عوامل طبيعية لشبهة العمل واختلاف النيات، وسوء المقاصد. انكشاف الواقع الأليم لجهاد الثمانينات محطة توقف عند كل من يدفع بالشباب لخطوط الجبهات وساحات الجهاد الملغمة، ويكفي عاراً أن تتحرك الخطط ودعاوى الجهاد في مربعات السرية، وتبذل الجهود لإحضار فتاوى الجواز والإباحة والاستحباب، لمن يصعب عليهم تقبل واقعهم الأليم والخديعة التي يمارسها عليهم قيادات هم أول من ينادي للموت وآخر من يموت. وبالانتقال من المشهد المشروح على لسان الداعية السعودي والجروح التي خلّفها، لنبحث عن الخلل والسبب عبر ما يأتي: هاتوا لي شباباً يذهب للجهاد بالوكالة في حرب لا يشاركهم بها المعنيون الأصل، ويمثلون السواد الأعظم من ضحايا الخداع؟ وهاتوا لي شباباً قبل الانطلاق يشرح لي بالضبط ما الجهاد؟ وما شروطه؟ وواجباته؟ متصلة موصولة بواقعنا وخطوط النار المشتعلة في أراضٍ متعددة؟ وهل كان الشباب المضلل في ما مضي مجموعة الحل؟ أم انحصروا في المجموعة المخدوعة المنحورة بالطريقة التي يعدها الآخرون بوجبات مختلفة عبر منتديات الضلال وزوايا الظلام والجحور المنزوية عن كل شيء إلا من الشيطان وخططه. والإرهاب وأشراره ليس بعيداً عن المشاهد السابقة كلها وبالممارسات السرية ذاتها، لأنه لا يمكن تبرير سلوك العقل المغسول وتهور الجسد للموت إلا تحت تأثير مجهول، ليس بالتأكيد التعلق بتميمة! [email protected]