ظلّت الأزمة السورية محور جدل بين موسكووواشنطن. وفيما كرر وزير الخارجية الأميركي جون كيري تحذيره من أن استمرار دعم روسيا الرئيس بشار الأسد «يقوّض هدفنا المشترك لمكافحة التطرف»، قائلاً إنه لا يأخذ على محمل الجد تبرير الروس بأن تعزيزاتهم العسكرية إلى سورية هدفها التصدي لتنظيم «داعش»، ردت روسيا على الانتقادات الأميركية لسياستها السورية قائلة إن واشنطن نفسها لم تعد متمسكة بإطاحة حكومة الأسد. ويمكن أن تكون الأزمة السورية محوراً من محاور قمة محتملة تجمع الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع المقبل. وفي وقت أبقى الروس الباب مفتوحاً أمام احتمال إقامة قاعدة جوية لهم في سورية، على رغم نفيهم أنهم يقومون بذلك حالياً، ترددت معلومات عن وصول تعزيزات روسية إلى مطار المزة العسكري في ضواحي دمشق، بعدما كان أمر التعزيزات مقتصراً في السابق على منطقة الساحل السوري، معقل نظام الأسد. وفي إقرار يعكس حجم التحديات التي تواجه واشنطن في سورية والحرب ضد «داعش»، أكد قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال لويد أوستن أمام الكونغرس أمس، أن أربعة أو خمسة فقط من المعارضين السوريين الذين درّبتهم الولاياتالمتحدة لا يزالون يقاتلون في سورية، مشيراً إلى أن الجيش الأميركي يجري مراجعة واسعة لبرنامج التدريب. وقال أوستن في جلسة استماع أمام لجنة الخدمات المسلحة، إن عدد المقاتلين السوريين الذين دربتهم واشنطن ضد «داعش» في سورية هو «أربعة أو خمسة»، ما أثار استغراب النواب الذين موّلوا البرنامج العام الفائت بنصف بليون دولار على أساس أنه سيشمل تدريب 5400 مقاتل خلال عام. وقال أوستن إنه يتوقع زيادة عدد المقاتلين السوريين الذين تدربهم الولاياتالمتحدة مع مرور الوقت، لكنه أقر بأن البرنامج تأخر كثيراً عن المواعيد المقررة، وبأن أهداف التدريب الأولية التي حددها الجيش لن تتحقق، وذلك بعد صعوبات أولية في انتقاء الأشخاص، واختطاف «جبهة النصرة» (فرع «القاعدة» السوري) عدداً منهم، ورفض الآخرين الانضمام إلى القتال إذا كان هناك اشتراط أنه سيكون محصوراً ب «داعش» وليس قوات الأسد. وفيما أبلغت كريستين ورمث، وكيلة وزير الدفاع للشؤون السياسية، لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، أنه يجري حالياً تدريب ما بين 100 و120 مقاتلاً سورياً، اعتبرت السناتور الجمهورية كيلي أيوتي أن الرقم «مزحة». وفي حين حض السناتور جون ماكين (جمهوري) على إقامة منطقة عازلة، رد أوستن بالقول «لا أوصي بها في هذا الوقت». في غضون ذلك، سارت موسكو خطوة إضافية نحو كشف طبيعة توسيع نشاطها العسكري في سورية على رغم القلق الغربي ومخاوف إسرائيلية ستكون محور نقاش مع رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في موسكو الإثنين، فيما نفى الكرملين تسريبات تحدثت عن اقتراح روسي تضمن تنحي الرئيس بشار الأسد عام 2012. وحملت موسكو بقوة أمس على ما وصفته «إنجازات متواضعة جداً للتحالف الدولي ضد الإرهاب الذي تقوده الولاياتالمتحدة». وانتقد بيان أصدرته الخارجية الروسية اعتراض واشنطن على تنشيط «التعاون ضد الإرهاب» بين موسكوودمشق، قائلاً إن التحالف فشل في «وقف تقدم الإرهابيين» بل ساهم في زيادة أعدادهم. إلى ذلك، قال الناطق باسم الرئيس الروسي ديمتري بيسكوف، إن بلاده لم تقدم أي اقتراحات تضمنت رحيل الأسد، لأنها «لا تشارك في سياسات تغيير الأنظمة وتعتبر أن الشعب السوري وحده يقرر مصيره». وجاء التعليق رداً على ما نقلته صحيفة «ذي غارديان» عن الرئيس الفنلندي السابق مارتي أهتيساري حول اقتراح روسي قدم منذ نحو 3 سنوات، وتجاهلته الدول الغربية. وأوضحت الصحيفة أن أهتيساري أجرى في شباط (فبراير) 2012 محادثات مع مندوبي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن في شأن سورية، وأن المندوب الروسي فيتالي تشوركين تقدم خلال هذه المحادثات بخطة من ثلاث نقاط، اشتملت على تنحي الأسد عن السلطة في مرحلة معينة، وبعد بدء مفاوضات سلام بين الحكومة والمعارضة. وتابع أهتيساري أن الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا كانت آنذاك واثقة تماماً من سقوط الأسد قريباً، ولذلك تجاهلت العرض. وبحسب أهتيساري، تضمنت الخطة الكف عن تقديم الأسلحة للمعارضة، وإطلاق حوار بين المعارضة والأسد مباشرة، ومن ثم إيجاد طريقة يتنحى بها الأسد مع الحفاظ على ماء الوجه. وتجنب تشوركين خلال مؤتمر صحافي بُث عبر القمار الاصطناعية من موسكو أمس، التعليق على التصريحات لكنه أعرب عن قناعة بأن «واشنطن لم تعد ترغب بسقوط الأسد». وقال إن واشنطن عدلت موقفها من الرئيس السوري، ولم تعد تريد سقوط الحكومة السورية، على خلفية تنامي خطر تنظيم داعش». في الأثناء، أكد نائب رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الروسي نيكولاي بوغدانوفسكي، أن موسكو لا تخطط حالياً لنشر قاعدة جوية في سورية، لكنه ترك المجال مفتوحاً عبر تأكيد أن «تطوراً من هذا النوع ممكن وليس مستبعداً». في غضون ذلك، نقلت وكالة «فرانس برس» عن «مصدر رسمي سوري»، أن مبعوث الأممالمتحدة الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا سيصل الخميس إلى دمشق للقاء وزير الخارجية وليد المعلم ذلك «أن سورية تنتظر أجوبته على أسئلة طرحتها حول خطته» للسلام. وأوضح مصدر ديبلوماسي في دمشق أن السلطات السورية طرحت تساؤلات عدة على الخطة، وأن دي ميستورا «يأتي للإجابة عليها»، لافتاً إلى أن دمشق تريد أن تشكل «مكافحة الإرهاب» أولوية في العملية السياسية. واقترح دي ميستورا في 29 تموز (يوليو) خطة سلام تتضمن تأليف أربع «مجموعات عمل» بين السوريين لبحث المسائل الأكثر تعقيداً، من بينها مكافحة الإرهاب، فضلاً عن تشكيل «مجموعة اتصال» دولية. ووفق المصدر الديبلوماسي الذي تحدث إلى «فرانس برس»، فإن دمشق «لا تريد أن تكون النتائج التي ستتوصل إليها مجموعات العمل إلزامية». وفي نيويورك، دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى وقف مد أطراف النزاع في سورية بالسلاح، وقال إن «مد الأطراف بالسلاح أمر مقلق وهو سيؤدي فقط الى المزيد من التدهور»، وإن الأزمة السورية «ستكون على رأس قائمة الأولويات» خلال اجتماع سيعقده مع وزراء خارجية الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة. واعتبر أن لا حل عسكرياً في سورية.