التحركات الأخيرة التي شهدها لبنان والتي بدأت في 22 من آب (أغسطس) وما زالت مستمرة، حققت حتى الآن عدة انتصارات صغيرة لم تكن متوقعة، أهمها أنها كسرت شعور الضعف والعجز الذي كان يحسه اللبنانيون أمام انتهاك أبسط حقوقهم من دولتهم، كما كسرت الخوف من السلطة ومن كل أدواتها، وأثبتت أن الشعب تمكنه محاسبة الحكومة ومساءلتها، فهذا ليس فقط حقه، بل أيضاً واجبه كمواطن في دولة يسيطر عليها الفساد من رأسها حتى أخمص قدميها. ومن تلك الانتصارات، أن الشعب ثار أيضاً على وسائل الإعلام التقليدية المسيّسة والمنحازة دائماً لآراء الممولين ومصالحهم. الشعب اختار أن يرى الحقيقة التي لا يبثها التلفزيون ولا الإذاعة ولا حتى المواقع الإخبارية، فخلق ما يمكن أن نسميه «إعلام الشارع»، الذي يستقي أخباره ومعلوماته من الشارع نفسه ومن الناس المشاركين في الحراك. وسائل الإعلام التي أغمضت عينيها في الأيام الأولى من التحرك عن العنف الذي تعرض له المتظاهرون من القوى الأمنية، سرعان ما انقسمت وفق مصالحها، فتحول بعضها موالياً للمتظاهرين، السلميين منهم واللاسلميين، ومدافعاً عن كل تحركاتهم، بينما تبنى بعض آخر مطالب الحراك لكن مع بعض التحفظات على المطالب التي لا تخدم توجهاته السياسية، وآخرون أظهروا تبنٍّ تام لقرارات الدولة ودفاعاً شرساً عن تصرفات القوى الأمنية. هذا كله كان عادياً، أو على الأقل مقبولاً عند اللبنانيين قبل بدء الحراك، لكن قافلة التغيير حملت معها الثورة على الإعلام التقليدي أيضاً، فبدأت تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي صفحات إخبارية ذات طابع شبابي تغييري، تنشر أخبار الحراك والتظاهرات دون أي انحياز لفريق سياسي أو لجهة مموِّلة. المراسلون المواطنون مع انطلاق الحراك، تأسست صفحة «عالشارع» التي تعمل على حشد جهود كل القوى الشعبية والشبابية اللبنانية المتضررة والمنتفضة، لتأمين أكبر حضور شعبي في الشارع حتى تحقيق مطالبها التي تتمثل بإيجاد حل لمشكلة النفايات يراعي المعايير البيئية والصحية، فتح تحقيق بأعمال الاعتداء الذي تعرض له المتظاهرون في ساحة رياض الصلح عل يد أجهزة أمنية وعسكرية عديدة ومحاسبة المرتكبين من عناصر وضباط، استقالة وزير الداخلية، لمسؤوليته السياسة والإدارية المباشرة في قمع المتظاهرين، استقالة وزير البيئة، لمسؤوليته السياسية والإدارية المباشرة عن فضيحة ملف النفايات بكل تشعباته، ومحاسبة وزارة الطاقة بكل من تعاقب على حمل حقيبتها على الفساد وهدر المال العام وتردي خدماتها الأساسية المقدمة للمواطن. مجموعة «عالشارع» تعرّف عن نفسها بأنها «مجموعة من الشابات والشباب اللبنانيين الذين يشكلون جزءاً من التحرك الشعبي المنتفض في لبنان على فساد الطاقم الحاكم بجناحيه 8 و14 آذار»، وتعتمد الصفحة في تغطية الأخبار على الأفراد الذين يتواجدون في التحركات ويرسلون صورهم وأخبارهم فيشكلون «شبكة من المراسلين المواطنين». وتقول المجموعة إن ما يميز المادة الإعلامية التي تقدمها عما يقدمه الإعلام التقليدي، يكمن في أن الصفحة تغطي الحراك من داخله، وبعدسات هواتف المشاركين فيه وبرواياتهم. وتضيف: «نحن لسنا حملة على الأرض كما هي الصفحات الأخرى بل نحن رافد إعلامي داعم لكل أشكال الحراك السلمي الاعتراضي في الشارع». أخبار الساحة من الساحة في 28 آب، أي بعد نحو أسبوع على بدء التحركات، أطلقت مجموعة من الشابات والشبان صفحة «أخبار الساحة» لتغطية أحداث وأخبار التظاهرات والاعتصامات في مختلف المناطق اللبنانية بأسلوب إعلام بديل، «وذلك بسبب الموقف المخزي الذي اتخذته أغلبية وسائل الإعلام في بداية التحرك، إن كان عبر نشر معلومات مغالطة أو عبر الترويج بأن المتظاهرين هم مندسون أو مخربون»، كما تقول المجموعة. وتضيف: «نرى يومياً تغطيات كاملة لكل تصاريح السياسيين، ونقلاً مباشراً لمؤتمراتهم، أما أخبار الاعتصامات التي يقوم بها المواطنون، إن ذكرتها وسائل الإعلام، تمر مرور الكرام، إما كخبر وإما كتقرير قصير. هذا الإعلام لم يهتم يوماً بمطالبنا وحقوقنا، يهمه أكثر نقل أخبار السياسيين ولقاءاتهم، وينقلون الأخبار وفق ما تتوافق مع مصالحهم. إنه إعلام السلطة». وتقول المجموعة: «الفرق بين ما نحاول أن تكون عليه صفحتنا، والصفحات الأخرى، هو أننا نحاول تغطية الأحداث في مختلف المناطق فور حدوثها، ولكن ليس فقط بشكل إخباري، بل تتضمن الأخبار أحياناً موقفنا كمجموعة تقاوم ضد النظام الطائفي والعنصري والطبقي الفاسد». تعتمد صفحة «أخبار الساحة» على مراسلين/ات في الميدان ومصورين فوتوغرافيين وفيديو، يقومون بتغطية الأحداث، وتنشر مساهمات الأفراد التي يرسلونها إلى حسابات الصفحة على «فايسبوك» و «تويتر». كما تشارك المقالات والصور والفيديوهات والصفحات والتعليقات والأغاني التي تعبر عن مواقفها. تقول مجموعة «أخبار الساحة» إن «ما نريد إيصاله، هو كل معلومة أو خبر يتعلق بحقوقنا، وهدفنا هو فضح ممارسات السلطة وسرقاتها وفسادها، ورفع أصوات جميع الذين همّشتهم لسنوات طويلة، وإيصال صوت أهالي طرابلس وعكار وعرسال والخندق والهرمل وبعلبك وكل المناطق التي يعتّم الإعلام على أخبارها ومعاناتها دائما وعن قصد». وتؤكد: «نحن لسنا حياديين، ولن نكون، سننحاز دائماً للمتظاهر والمعتصم والمهمش وأي شخص يثور على السلطة الفاسدة. لن نكون على مسافة واحدة من السلطة والشعب، بل على العكس تماماً، نحن إلى جانب الشعب ومنه».