مع تسارع الأزمات التي تتناسل في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة الإسلامية، وما يدور فيها من نزاعات، تبدو الساحة الإقليمية بحاجة إلى أدوار مركزية تضطلع بها قوى إقليمية ما لتهدئة النزاعات ونزع فتيل الحروب التي تشتعل في المنطقة.ثمة قوى إقليمية في الشرق الأوسط لها أدوار تعبر باستمرار عن أطماعها ونياتها التي تظهر في شكل تصريحات، وتحركات في طول المنطقة وعرضها، ولا شك أن إسرائيل تسعى لأن تكون قوة إقليمية في منطقة الشرق الأوسط، على رغم أنها، مهما أوتيت من قوة، لا يمكن أن تكون مقبولة أو محل إجماع من طرف دول الإقليم لأسباب كثيرة ومعروفة. وفيما تحاول إيران لعب دور إقليمي في المنطقة عبر تمرير الكثير من أجنداتها من خلال استغلال القضايا العادلة كقضية فلسطين، وطرح شعارات إسلامية لزوم الدعاية، إضافة إلى تغلغلها من أجل تحريك الكثير من الملفات في المنطقة، إلا أن إيران لا يمكن أن تكون محل إجماع من دول المنطقة لأسباب كثيرة أخرى ليس أقلها الجانب المذهبي الذي ينتظم دول المنطقة في سلك المذهب السني المعتدل. إضافة إلى عدم التوافق والقبول من الأطراف الأخرى لأجندتها في الإقليم، فإن تلك القوى «إسرائيل وإيران» تضع دائماً طموحاتها على حساب المصالح الحيوية الأخرى لدول المنطقة، وهذا بطبيعته يصبح مانعاً آخر من أسباب عدم القبول لتلك الأجندات. وفي هذا السياق تأتي المملكة العربية السعودية كدولة إقليمية وازنة وذات قبول من الأطراف العربية والإسلامية، لما لها من ثقل إسلامي ودور إقليمي قائم دائماً على سياسات الاعتدال، ودعم القضايا العادلة في المنطقة، والتضامن مع الإجماع العربي والإسلامي في كل القضايا ذات الصلة. ولعل من أهم سمات الدور الإقليمي السعودي هو خلوه من الأجندات الخفية والأطماع الإقليمية، فالدور السعودي عادة ما يسعى إلى ضمان الأمن والسلم الإقليميين كرؤية إستراتيجية تقوم على أن استقرار المنطقة هو جزء من استقرار جميع الدول التي تعيش فيها، وأن الحاجة إلى الأمن الإقليمي رهين بدورها المهم في المنطقة. وضمن هذا الدور تأتي التحركات الأفغانية الأخيرة على خلفية زيارة الرئيس الأفغاني حامد كرزاي للسعودية بحثاً عن دورها الريادي من أجل القيام بدور وسيط في حل النزاع الأفغاني المزمن. فالنزاع الأفغاني الذي تنخرط فيه أطراف إقليمية ودولية متعددة، بما فيها الولاياتالمتحدة وحلف شمال الأطلسى وباكستان، ظن الكثيرون أن الحل في هذا النزاع رهين بتلك التحركات التي تبذلها الولاياتالمتحدة والناتو وباكستان على خلفية الصراع مع القاعدة، لكن في حقيقة الأمر أدرك الأفغان ولا سيما حكومة حامد كرزاي، أن الحاجة إلى وسيط نزيه وقوة إقليمية معتدلة لا يمكن أن يكون سوى المملكة العربية السعودية، التي يعرف الأفغان مواقفها التاريخية مع قضيتهم. وحين جاء كرزاي إلى الرياض كان يدرك بالطبع أن وصوله للرياض من أجل طلب الوساطة يتضمن سلفاً قابلية ما من جهة بعض الأطراف في طالبان، فالطرفان: «حكومة كرزاي وحركة طالبان»، يعرفان أن السعودية ليس لها أي أجندة خاصة في أفغانستان، وأنها حين تبذل وساطتها فإنما تنطلق من مبدأ الإصلاح وحفظ الأمن ودعم التوجهات السلمية في أفغانستان، ولا ترجو لقاء ذلك أي ثمن سياسي. لكن في الوقت نفسه لا يمكن قراءة الوضع الأفغاني من طرف الوساطة السعودية بمعزل عن بعض المعطيات الأساسية المانعة من فعالية ذلك الدور، وهي موانع لا تشكل إعاقة للدور السعودي فحسب بل هي موانع تعوق الحياة الطبيعية والسلمية بين الأفغان أنفسهم، ولقد صرح وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل عن طبيعة ذلك العائق الذي جعلته السعودية كشرط شارط لوساطتها النزيهة، وهو طلبها من طالبان التخلي عن احتضان «القاعدة» كضمان للوساطة السعودية. ذلك أن هذا الشرط السعودي المهم لتسوية النزاع سلمياً بين حكومة كرزاي وحركة طالبان هو ما يمكن أن يمهد للإصلاح والأمن في أفغانستان وينزع فتيل الأزمة، وبطبيعة الحال تعرف السعودية أن هذا الشرط لا يخلو من صعوبات في الواقع الأفغاني المعقد، ولكن على رغم تلك الصعوبات يظل هو الشرط الشارط ليس فقط للوساطة السعودية، بل لأي تسوية وطنية بين الأفغان أنفسهم. صحيح أن هناك الكثير من المآزق التي يمر بها الوضع الأفغاني المعقد، ولكن السبب الأساس في كل ذلك هو احتضان طالبان لتنظيم القاعدة والوقوف معه. وعلى ضوء هذه المشكلة لا يبدو أن الوضع الأفغاني قابلاً للوساطة السعودية، فبجانب احتضان طالبان للقاعدة هناك أيضاً الكثير من العوائق في طرف الحكومة الأفغانية منها الفساد والضعف عن توفير الأمن خارج كابول وغير ذلك من الأسباب. وعليه فإن الحملة العسكرية الجديدة والواسعة بقيادة حلف الناتو والولاياتالمتحدة ضد طالبان ربما كانت هي النتيجة المعبرة عن اليأس من إمكان الحلول والوساطات، لاسيما «الوساطة السعودية» التي كان بالإمكان أن تكون ضمانة للسلم والأمن في أفغانستان. ولكن يبدو أن الحكمة القائلة «إن أول شرط لمساعدة الناس هو أن يساعدوا أنفسهم»، ينطبق تماماً على الحال الأفغانية، فإذا عجز الأفغان عن مساعدة أنفسهم فلن تكون هناك قوة في الأرض قادرة على مساعدتهم. مستشار قانوني [email protected]