لم يكن شهيد محمد، يعلم أن عمله في حراج بيع الأثاث المستعمل في مدينة الدمام، سيجلب عليه كل هذا التعب والشقاء، الذي بات يعانيه بصورة يومية، فشهيد قدم للسعودية من نحو بضع سنوات، تنقّل خلالها بين أعمال كثيرة، منها «السباكة والكهرباء وتصليح المكيفات»، بحسب قوله. وعلى رغم أن شهيد لا يتقن أصلاً مهنة بعينها، إلا أن مكتب الاستقدام الذي أحضره لكفيله من بنغلاديش، تعاقد معه على أنه «فني مكيفات»، ليتفاجأ بعد قدومه إلى المملكة بأن الأعمال التي طُلب منه القيام بها «لا أعرف فيها شيئاً، فقد طُلب مني أن أصلح مكيفات وثلاجات في محل يمتلكه الكفيل، وخضتُ التجربة من أجل لقمة العيش». وتكرر الأمر مع شهيد، في كل مهنة جديدة يُطلب منه العمل فيها، مثل الكهرباء وترميم المنازل والنجارة وغيرها. فيما كانت تستهويه التجارة، لما فيها من بيع وشراء وتعامل مع الزبائن، وتحقق حلمه عندما نقل كفالته من رب عمله، المتواجد في إحدى المدن السعودية، ليأتي إلى المنطقة الشرقية. إذ كانت سعادته بالغة عندما علم من الكفيل الجديد أنه يرغب في تشغيله بائعاً في حراج الأثاث المُستعمل في الدمام. ويقول: «سعادتي كانت كبيرة، لأن العمل سيكون في البيع والشراء، وليس في مهنة لا أتقنها، وقد تصيبني بأضرار، سواءً في نفسي، أو أن أتسبب في تخريب أغراض الغير». ويضيف «كما كنتُ سعيداً لأنني سأعمل فقط يومي الخميس والجمعة، من كل أسبوع، إضافة إلى يوم الأربعاء، الذي يعتبر إعداداً لليومين التاليين». ويبدو أن شمس الشرقية بددت أحلام شهيد، فتبخرت في الفضاء، إذ فوجئ بأنه كان يعيش في «وهم كبير»، يستيقظ منه في اليوم مرتين، أولاهما في الصباح، وتحديداً قبل صلاة الظهر، بنحو نصف ساعة، والثانية من بعد صلاة العشاء بنحو نصف ساعة، إذ يقوم في كل منهما بجر عربتين كبيرتين، إحداهما محملة بالموكيت والسجاد، والثانية بالكنب، ويجرهما تباعاً، آتياً بكل منهما صباحاً من خارج أسوار الحراج، ليقف بهما في طابور كبير أمام الباب المؤدي إلى ساحة الحراج، حتى إذا حانت الساعة ال12 ظهراً، فُتح الباب ودخل العمال يجرون خلفهم حمولات الموكيت والسجاد والكنب، ليتموا عملهم بفرشها في الساحة وأمام محالهم. ويتكرر ذلك في المساء بعد صلاة العشاء، حين العودة بالبضاعة إلى خارج أسوار الحراج. ويتكرر سؤال يومي على لسان شهيد «لماذا نخلي ساحة الحراج من البضائع في مساء كل يوم، ونضعها خارج الحراج في الشوارع الجانبية، لنعود بها في ظهيرة اليوم التالي ونقوم بفرشها أمام المحال؟». وعندما طرح شهيد هذا السؤال على كفيله أخبره بأن «هذه أوامر البلدية، ومَن يخالف توقع عليه غرامات مالية كبيرة». وإذا كانت أحلام شهيد في العمل ثلاثة أيام أسبوعياً، تبخرت، وأصبح يعيش واقعاً بعمله سبعة أيام من دون إجازة، سوى ساعات قليلة تخلو من الزبائن، فإن ابن جلدته علي أكبر، الذي يعمل في الحراج ذاته منذ سنوات، يرى أن رقابة البلدية «ليست لها أي داع، وعليهم أن يتركونا نفرش بضاعتنا أمام محالنا، وأن يمنعوا فقط العمالة غير الرسمية، أو التي لا تتبع محلاً مرخصاً في الحراج، وتعمل على نشر الفوضى داخله وخارجه».