رغم غيوم الحرب التي تلبد سماء العراق، يواصل الرسامون العراقيون الاهتمام برسومهم التي تعكس الوانها آمالهم بمستقبل افضل وسط فرحة آخر زبائن لهم من الصحافيين الوافدين والدبلوماسيين المغادرين. ويعرض الرسامون لوحاتهم في صالات عرض تمتد بمحاذاة نهر دجلة في شارع ابونواس. ورغم اثنتي عشرة سنة من العقوبات وثمانية اعوام من الحرب مع ايران قبلها، لا يبدو ان همة الفنانين العراقيين، سواء كانوا من الهواة او من المحترفين، تراجعت مع قرع طبول الحرب وهم يكافحون لكسب لقمة عيشهم بلوحاتهم. وقال سعيد موسوي مدير "غاليري اكد" وهي من بين الاشهر في شارع ابو نواس: انظروا بشكل جيد الى الوان اللوحات فهي ليست داكنة. الامر ليس فقط رفضا للحقيقة بل هو تحد لقساوة العيش ورفض للحرب. وتشهد اللوحات والمنحوتات المعروضة في قلب بغداد على المكانة الفنية التي يحظى بها العراق في الدول العربية على مستوى الرسم والنحت. واللوحات بغالبيتها تجريدية ومزيج من الالوان الدافئة والفاقعة، اما المنحوتات فهي عبارة عن اشكال نحيلة تذكر بجاكومتي. ولاتزال المعاهد الفنية تستقبل مئات الطلاب الراغبين بتعلم الرسم الذين لم تحد اجواء الحرب من حماسهم لانتزاع اسم ومكان في صالات شارع ابو نواس. في حي كرادة داخل يلتقي الهواة فيما يشبه (سوبرماركت فنية)، هي عبارة عن محلات صغيرة وأزقة ضيقة تعرض كل انواع اللوحات. وفي هذا الحي يمكن ان تطلب نسخ اي لوحة شهيرة، فمقابل دولارات قليلة تحصل على نسخة عن بيكاسو او فان غوخ او مونيه او رينوار. اما اللوحة الاشهر فهي غيرنيكا لبيكاسو التي رسمها متأثرا بفظاعة الحرب الاهلية الاسبانية في الثلاثينات من القرن الماضي. وفان غوخ صاحب الاذن المقطوعة حاضر عبر لوحته الشهيرة "دوار الشمس،" والمطلوب فقط بضع دولارات. اما الذين يفضلون اللوحات الاصلية فبامكانهم ان يجدوا الكثير من الاعمال الجيدة لرسامين شبان يبيعون لوحاتهم للدبلوماسيين المغادرين حاليا او للصحافيين الآتين لتغطية تطورات الازمة العراقية. ويعتبر مفتشو الاممالمتحدة ايضا من الزبائن الجيدين. ويروي جاسم الموسوي مالك احدى الصالات في حي كرادة داخل انه فوجئ بأحد المفتشين من الذين غادروا عام 1998 يصل الى محله ويطلب منه اللوحة الشخصية التي كان طلبها منه قبل اكثر من خمس سنوات. ويعرض الموسوي في محله اللوحات التجريدية ورسوما لمستشرقين عبارة عن مناظر من اسواق بغداد التاريخية، اضافة الى صور نساء واطفال باللباس الغربي يعتقد انها نسخ عن صور قدمها المفتشون عن عائلاتهم. ويقول قاسم السبتي ممازحا في غاليري الحوار: ان رسامينا جيدون الى حد انهم يتغلبون على المصورين الفوتوغرافيين. وتعتبر هذه الغاليري مركز لقاء للرسامين والمثقفين الذين يتجمعون حول اقداح الشاي في حديقة الغاليري ليناقشوا اخر التطورات او ليقرأوا الشعر. وقال السبتي: ان صالته هي نقطة التقاء للفنانين، ويضيف: لدينا الكثير من كبار الفنانين لاننا خليط من شعوب عدة مع تاريخ عظيم؛ كما اننا امة عانت الكثير الا أنها لا تخشى النهوض، وسننجح في تحقيقه بالألوان وبمهارة فريدة.