تشوه بسيط في الشكل الخارجي للأذن لا تكاد تلمحه الأعين إلا إن تفحصتَ الوجه الجميل عضواً عضواً، لكنه صار في ذهن الشابة المقبلة على الزواج عظيماً، يطرد النوم من عينيها كلما اقترب موعد حفل الزفاف. رأت الأسرة وزوج المستقبل أن لا مناص من الإذعان لرغبتها، فمن حقها أن تكون أجمل عروس يوم الحفل، بل وأن تكون عروساً مثالية، تسد بحسنها أفواه الحاسدين، وألسنة السوء التي تجد في حفلات الغير مناسبة مثلى لاختبار مؤهلاتها في الكشف عن عيوب وأسرار المضيفين. عملية بسيطة كما طمأنها الطبيب، واقتنعت هي، وأقنعت من حولها. وخضعت العروس المقبلة لجراحة لتجميل إحدى أذنيها في عيادة أحد الأطباء بمدينة الدارالبيضاء. فشلت العملية. لا قلق من ذلك، طمأنها الطبيب مرة أخرى، وكرر جراحة التجميل... وفشلت الجراحة مجدداً. خضعت الشابة لجراحة تجميل ثالثة. الوقت يداهمها، وموعد حفل الزفاف لا يمكن تأجيله بعد أن تم ترتيب كل شيء. ثم جراحة رابعة. تعفنت الأذن. أصبحت المشكلة في تلك المرحلة أن يؤدي التعفن إلى إتلاف الأذن وحاسة السمع أيضاً. خضعت لجراحة خامسة لإنقاذ ما تبقى من الأذن. ظهرت الشابة في التلفزيون المحلي وسط أسرتها الصغيرة بعد سنوات من الزواج في برنامج حول جراحات التجميل في المغرب. حكت مأساتها مع جراحة بسيطة وكمالية كادت تودي بسمعها، فضلاً عن تشوه الأذن بالكامل جراء تكرار الجراحات، إذ انكمش ما تبقى من عضو الأذن وجلدها نحو الداخل، وقد كان سبب فشل الطبيب المتكرر أنه لم يكن جراح تجميل، وإنما كان طبيباً عاماً «عديم الضمير»، ومن ثمة انتقلت قضيتها إلى القضاء. حدث ما هو أخطر من هذه الحادثة قبل نحو عام، فحالة أخرى انتقلت إلى الحياة الأخرى في المدينة نفسها التي تعد والرباط قبلتي الراغبين في تحسين مظهرهم الخارجي. لكن مثل هذه الحوادث النادرة عموماً لن تقلل من الجاذبية التي أضحت تتمتع بها جراحة التجميل في المغرب. وتشير إحدى خبيرات التجميل الى ازدياد الراغبات في الخضوع لمشارط التجميل لإجراء تعديل على أجزاء من أجسادهن ووجوههن، انطلاقاً من كثرة سؤال زبائنها وطلبهن مشورتها في الأمر. وتقول منى إن صغيرات السن يراهنّ على زيادة جاذبيتهن الجنسية، في حين أن المتقدمات في السن يحاربن زحف الشيخوخة. كما تلاحظ أن النساء لم يعدن متكتمات على سر خضوعهن لجراحة تجميل ما، كما كنّ في الماضي، فزبائنها يتحدثن عن تجربتهن بلا حرج، بل أحياناً بنوع من التباهي، لكون فرصة الحصول على مظهر أحسن دائم هي مسألة جرأة وشجاعة وإمكانات مادية غير متاحة للجميع. ويفضل جلّ الأطباء المتخصصين الحديث أكثر عن الجراحة التقويمية، بدل تسميتها بالجراحة التجميلية، وذلك لتثبيت العلاقة - المنفلتة في الأذهان - بينها وبين وظيفتها الطبية والصحية، ولو كان الهدف منها تجميل المظهر، فالأصل في هذا التخصص الطبي هو علاج التشوهات الجسدية، وفي الآن نفسه، رفع الحرج النفسي والاجتماعي الذي يعانيه الأشخاص جراء تشوهات معينة، خلقية أو ناجمة عن حوادث. وفي العموم، لا تبدو جراحة التجميل غريبة عن المغاربة، أو مرفوضة، إذا ما ارتبطت بهذا التعريف الطبي، لا سيما بوجود أقسام جراحة التقويم في المستشفيات العمومية الجامعية. لكن حينما يتعلق الأمر بالخضوع لجراحات تجميل أجزاء من الجسد لا تعاني أصلاً من تشوهات، فإن رد الفعل يختلف، وقد يظهر رفضاً قاطعاً حتى من جانب المتخصصين أنفسهم. «إذا كان رد الفعل الطبيعي لجسم الإنسان أن يلفظ الأجزاء الدخيلة عليه لدى زرعها طبياً مكان المستأصلة منه، فكيف بالإنسان نفسه أن يقبَل شفاهاً منتفخة اصطناعياً بالسليكون؟»، تستنكر لبنى، طبيبة متخصصة في الجراحة التقويمية، كما تصر على التسمية، وتؤكد بإلحاح ضرورة «مكافحة قيم الجمال الاستهلاكي المادي الذي أتى على حاجة الناس الضرورية إلى تحسين جمال روحهم». وتعتبر الدارالبيضاء من السباقين في عالم جراحة التجميل، إذ أنها أطلقت أول مستشفى خاص لجراحة التجميل في العالم في خمسينات القرن الماضي. إضافة إلى أن المغرب يعتبر مقصداً للسياحة الطبية المرتبطة بالتجميل، لخبرة أطبائه في هذا المجال، ورخص كلفة العلاج.