تمسكت إسرائيل الرسمية بموقفها القاضي بعدم التعقيب على اتهامات لجهاز استخباراتها الخارجية (الموساد) باغتيال القيادي في حركة «حماس» محمود المبحوح في إمارة دبي، حتى بعدما عرضت شرطة دبي، أول من أمس، تفاصيل عملية الاغتيال، لكن وسائل الإعلام العبرية تناولت بإسهاب في عناوينها الرئيسة التفاصيل التي قدمتها دبي أرفقتها بصور المشبوهين ال 11 وأسمائهم المستعارة. وتصدر الصحف الرئيسة عنوان من كلمة واحدة: «المصفُّون»، فيما وصفتهم «معاريف» ب «المختارون ال 11». وارتأت الصحيفة أن تنشر خبراً رياضياً في الصفحات التي تناولت اغتيال المبحوح! يتعلق بفوز لاعبة التنس الإسرائيلية شاحر بئير في منافسة ضمن بطولة التنس في دبي، واختارت لهذا الفوز عنواناً يتماشى مع مضمون الصفحة: «شاحر بئير نفذت عملية تصفية في دبي»!. ولم تخلُ العناوين، تماماً، كما غداة نبأ اغتيال المبحوح من التباهي بنوعية العملية، فيما كاد معلقون في الشؤون الأمنية ينطقون بجزم، فرحين مهللين، بأن الموساد يقف وراء الاغتيال واصفين العملية ب «الذكية والنوعية». وفيما لم يتردد بعضهم في الإشارة المبطنة إلى أن التفاصيل كما عرضتها شرطة دبي تُذكّر بعمليات مماثلة ل «الموساد» في السابق، بخاصةً لجوئه إلى فتاة حسناء شقراء توقع في فخها المستهدف، كما حصل عندما أوقعت فتاة الموساد تقني الذرة مردخاي فعنونو قبل أكثر من 20 عاماً في لندن وقادته إلى ايطاليا حيث تم اختطافه إلى إسرائيل. وحذر معلق بارز من أن يكشف اعتقال فلسطينييْن هوية الفعلة. وأعادت التعليقات أمس إلى الأذهان ما نشرته صحيفة «معاريف» في عنوانها الرئيسي الخميس الماضي حول نشاط مكثف للاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) في الأسابيع الأخيرة «لإحباط تعاون بين حركة حماس وإيران»، وعمليات اغتيال المبحوح وناشطين من «حماس» في دمشق وبيروت وغزة. وكانت الصحف الإسرائيلية تباهت غداة يوم الاغتيال ب «الذراع الطويلة» للموساد وب «انجازات» رئيسه الحالي مئير دغان الذي مددت ولايته لسنة أخرى، لمرة ثالثة على التوالي، تقديراً لعمله «المثمر». وتساءل أكثر من معلق عما إذا كان القراء يتعرفون إلى هوية أصحاب الصور، «فأحدهم يشبه موظف البنك، أو ذاك الذي نقابله في القطار صباحاً... إنهم يشبهون ايتسيك (من أكثر الأسماء الشخصية العبرية انتشاراً) من الكيبوتس. ننظر إلى الصور ونحاول أن نتذكر من أين نعرف هذا أو ذاك». وكتب رونن برغمان في «يديعوت أحرونوت» ان تطور المعدات الالكترونية يجعل من عمل الاستخبارات مهمة صعبة إذ «انتهى عصر التصفيات النظيفة، تلك التي لا تترك أثراً، ويفترض في من أرسل المصفّين إلى دبي أن يتساءل عما إذا كان ممكناً أن يرسلهم من جديد لمهمات تصفية، بعدما كشفت صورهم في كل العالم». وكتب اساف شنايدر في «معاريف» أن الإمعان في الصور المشوهة «يجعلنا نتوقف أوتوماتيكياً عند تفاصيل تبدو أنها خاصتنا. ليس بحسب وسائل الإعلام الأجنبية إنما من تجربة الحياة، الشعور الداخلي الذي يقول إن هؤلاء، بغض النظر عن هويتهم، مجموعة من المحترفين الذين يستحقون التقدير والتحية. وتابع متناولاً صورة كل من المشبوهين ليقول إنها تشبه فلاناً وعلاناً من الإسرائيليين، «وحتى النظارات كأنه تم شراؤها من محلات إسرائيلية، من منا لم يقفز عندما شاهد الصور في التلفزيون ليقول لزوجته أن هذه الصورة هي صورة لفلان نعرفه، من القطار أو السوبرماركت أو البنك...». وكتب عميت كوهين في «معاريف» ان الفتاة جيل فوليارد تذكّر ب «نساء الظلال» اللواتي خدمن في الموساد «ونسبت إليهم وسائل إعلام أجنبية عمليات أمنية خفية على مدار السنين». وأضاف أن الإعلام الأجنبي طالما نسب إلى الموساد إشراكه فتاة في خلايا التجسس لخلق «مصيدة عسل» في نشاطاته، مذكّراً بالفتاة المسماة «سيندي» التي اصطادت في شباكها تقني الذرة فعنونو في لندن. ورأى أمير اورن في «هآرتس» ان نشر صور المشبوهين وتفاصيل العملية يُبعد الشبهات عن ضلوع أفراد في حاشية الوزير عوزي لنداو الذي زار دبي قبل شهر، في عملية الاغتيال. وكتب يوسي ميلمان في الصحيفة ذاتها، مغرداً خارج السرب، «إنه لا حاجة لاعتراف إسرائيل بوقوفها وراء عملية الاغتيال إذ تكفي ابتسامات وزرائها لدى خروجهم من جلسة الحكومة لابداء الشعور بالرضى، من أن المعلومات الاستخباراتية كانت دقيقة وموثوق بها والتنفيذ تم من دون أي خلل». وانتقد الكاتب حصر الاستخبارات الإسرائيلية عملها في تنفيذ عمليات تصفية، «إذ تم منذ ستينات القرن الماضي تصفية مئات الإرهابيين من منظمة التحرير الفلسطينية والجهاد العالمي وحزب الله وفي الانتفاضة الأخيرة تمت تصفيات بالجملة، علماً أن مهمة الاستخبارات الأساس يجب أن تكون التحذير من نيات الأعداء أو خطر الحرب، ومنح صناع القرار السياسي اتخاذ القرار المناسب وفقاً للمعلومات التي تقدمها لهم». وأضاف أنه لا يجوز أن يتحول جهاز الاستخبارات إلى منظمة «قتل محدود الضمان» على غرار المافيا التي تنتقم من أعدائها. وتابع أن النجاحات التي يحققها الموساد في عمليات الاغتيال هي التي منحته الهالة الكبيرة في العالم «لكنها قد تبهر رؤساءه وتحرف بصرهم عن المهمة الرئيسة المناطة بهم». ورأى أن اغتيال قيادي ليس من الصف الأول (مثل المبحوح) لا يعتبر خطوة استراتيجية يمكن أن تنزل بمنظمته ضربة موجعة أو قاضية. وزاد ان مثل هذه العمليات لا تؤثر في المدى البعيد في ميزان القوى، «ولانصراف المبحوح سيكون تأثير هامشي على الصراع بين حماس وإسرائيل، إذ سيتم ايجاد خلف له، وعليه فإن لتصفيته تأثيراً تكتيكياً فقط». وفي عمان أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية وزير الدولة لشؤون الاتصال والاعلام نبيل الشريف أن الأردن سلم شخصين يحملان الجنسية الفلسطينية الى شرطة الامارات قبل أيام يُشتبه بعلاقتهما مع المجموعة التي اغتالت القيادي في «حماس» محمود المبحوح. وقال الشريف ل «الحياة» تم «تسليم الشبوهين وفق الاجراءات القانونية». ورفض ان يعطي المزيد من التفاصيل عن سبب وجودهما في الاردن أو هوياتهما واكتفى بالقول: «إنهما يحملان الجنسية الفلسطينية». وقال مصدر قانوني أردني: «تمت عملية التسليم بموجب اتفاق التعاون القانوني والقضائي مع الامارات العربية الموقع عام 1999 والمختص بتنفيذه وزارتي العدل في البلدين. وتنص المادة 36 من الاتفاق «يتعهد كل من البلدين المتعاقدين بتسليم الاشخاص المتواجدين على إقليمه الموجه اليهم اتهام من الجهات القضائية المختصة أو المحكوم عليهم لدى كلا البلدين...». وفي لندن أعلنت وزارة الخارجية البريطانية أمس أنها «تعتقد» بأن جوازات السفر البريطانية التي استخدمها ستة من أصل 11 شخصاً متهمين بالضلوع في اغتيال المبحوح في دبي، مزورة. وقال المتحدث باسم الوزارة «باشرنا تحقيقاتنا».