يعيش السوريون أياماً صعبة. فبالإضافة إلى الحرب، يأتي الغلاء مع غياب شبه تام لمعظم الخدمات الأساسية، ومنها الكهرباء والماء وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية. خالد، أب لأربعة أطفال، موظف في مديرية تربية حماه، يعيش في مدينة سلمية، يذكر «أن الماء يغيب 12 يوماً ويأتي في اليوم ال 13، أما الكهرباء فخاضعة للتقنين، تأتي ساعتين وتنقطع أربع ساعات، وأحياناً لا تأتي كل النهار سوى ساعة واحدة أو نصف ساعة وتغيب 24 ساعة». ويقول حسين، صاحب مكتب عقاري، يسكن في صحنايا: «التقنين الكهربائي مطبق منذ عدة سنوات، لكنه هذا العام هو الأسوأ، فأحياناً تأتي الكهرباء خلال يوم كامل ثلاث ساعات فقط، ومع غياب الكهرباء تغيب المياه التي تأتي في الأسبوع مرة واحدة فقط، ويضطر الناس لشراء الماء من أصحاب الصهاريج، حيث ثمن البرميل 140 ل.س، وفي حساب بسيط، يصرف الموظف 10 في المئة من راتبه على الماء و10 في المئة على شراء المولدات الكهربائية وأدوات الإنارة، والمشكلة أن تأمين البنزين أو المازوت اللازم لتشغيل المولدات صعب جداً، ومتوفر فقط في السوق السوداء، فثمن ليتر الكاز في هذه السوق 350 ل.س، لاسيما عندما تنقطع الكهرباء في وقت تشغيلها ضمن نظام التقنين، فلا طوارئ كهرباء ترد على أحد، وإن جاء موظف الطوارئ لإصلاح عطل فلا بد من دفع الإكرامية له. ويتابع حسين: وهناك أيضاً الأعطال العشوائية في الشبكة، إذ ينقطع التيار عن عدة مشتركين في البناء السكني نفسه ويشتغل عند مشتركين آخرين، والسبب أن خزانات الكهرباء لا تتحمل الضغط الكبير للاستهلاك فيحترق بعض الكابلات فيها. وعن حال الماء يتابع: المصيبة أن عناصر الدفاع الوطني وكتائب البعث من أهل المنطقة ركّبوا مضخات مائية على خطوط الاشتراك المنزلية، ما يحرم بقية المشتركين من الحصول على الماء، وطبعاً لا يمكن لأي إنسان التحدث بالموضوع معهم، فهؤلاء مسلحون ومؤسسة المياه في صحنايا تقف عاجزة أمام مخالفاتهم العلنية والمستمرة منذ سنوات، فلا أحد يتجرأ على الشكوى منهم. الساحل خاضع للتقنين أيضاً والتلاعب كبير بالعدّادات فاطمة من اللاذقية، معلمة لغة عربية، قالت: «لا تذكر اسمي، أنا أسكن بين الشبيحة». لتضيف: «اللاذقية منطقة ساحلية رطبة هذه الأيام، ومع ارتفاع درجات الحرارة تسوء الأوضاع، وفق جدول التقنين، الكهرباء تغيب خمس ساعات وتأتي ساعة وإن تحسنت تأتي ساعتين وتغيب أربع ساعات، والفواتير عشوائية وفيها ظلم وتلاعب، فأكبر تاجر حديد في اللاذقية دفع 650 ل.س فاتورة كهرباء، بينما دفعت أنا 27 ألف ليرة سورية عن آخر فاتورة». عليا، موظفة في وزارة الزراعة، تعيش في جرمانا تعيد الكلام نفسه عن حال الكهرباء والماء: «الماء مرتبط بالكهرباء، ولا مضخات يمكن تشغيلها لإيصال الماء للبيوت والسبب غياب الكهرباء شبه التام». حكومة النظام: نحن في حال حرب تقارير حكومية منشورة تتحدث عن خسائر طالت الاقتصاد منذ بداية الأزمة وحتى آذار (مارس) الماضي بسبب انقطاعات الكهرباء، مقدرة ب 1500 بليون ليرة سورية، أما الخسائر التي طالت قطاع الكهرباء فقدرتها ب 345 بليوناً. رئيس الحكومة وائل الحلقي وفي مختلف الاجتماعات الحكومية يتحدث عن النقد الذي طال حكومته بسبب التقنين الكهربائي، ويبرر ذلك بقوله، نحن في حالة حرب. ووفق تقديرات الحكومة أيضاً، قدرت قيمة الخسائر المادية المباشرة وغير المباشرة لقطاع الكهرباء مؤخراً ب 1720 بليون ليرة، منذ بدء الأحداث في البلاد. ومنذ أيام قليلة ومع اشتداد حالة التقنين، عاد وزير الكهرباء عماد خميس ليذكر بأن «سد الثغرة في انقطاع التيار الكهربائي يستلزم استيراد نحو 18 ألف طن فيول يومياً بتكلفة قدرها 5.7 مليون دولار، لافتاً إلى أن الوزارة تعمل جاهدة لتقليل ساعات التقنين لتصبح مقبولة». والتحدي الأكبر عند حكومة النظام تكمن في تأمين الوقود «فيول وغاز» من أجل تشغيل محطات الكهرباء وحماية خطوط نقل الوقود إلى المحطات. ومن يراقب التصريحات الحكومية يعرف أن إيران والصين وروسيا وبيلا روسيا، هي الدول التي يعتمد عليها النظام لتقديم الإغاثة الكهربائية، وطبعاً معظم الكلام الحكومي المنشور يتحدث عن وعود ما زالت حبراً على ورق، والدليل هو سوء الأحوال. وتأتي تصريحات الحلقي لتتحدث عن نية حكومته تعزيز المخزون الاستراتيجي من فيول وغاز! مع أن وزير الكهرباء تحدث للتوّ عن حاجته إلى 18 ألف طن فيول لسدّ الثغرة! غول الغلاء يضاف إلى التقنين الكهربائي وفاتورة الحصول على ماء عبر الصهاريج، الغلاء المستمر لمعظم المواد والسلع الاستهلاكية الأساسية. ويذكر خبراء اقتصاديون سوريون أن نسبة ارتفاع الأسعار بلغت منذ بداية الثورة السورية في منتصف آذار عام 2011 ما يعادل 10 أضعاف في مختلف المواد الغذائية والاستهلاكية. ومؤخراً، قامت حكومة النظام برفع أسعار البنزين ليصل سعر الليتر إلى 160 ل.س، فانعكس هذا الغلاء على أجور سيارات الأجرة ارتفاعاً جديداً يدفعه المواطن. وتحتاج الأسرة السورية المتوسطة العدد إلى 80 ألف ليرة كحد أدنى من أجل مصاريفها الشهرية، هذا إذا كان البيت ملكها، مع العلم أن الحدّ الأدنى لإيجار البيت المتواضع وغير المفروش في ريف دمشق يبلغ 20 ألف ليرة، ويصل إيجار البيت المفروش في ريف دمشق إلى 60 ألف ليرة سورية. ومن الضروري أن نعرف أن راتب الفئة الأولى من الموظفين هذه الأيام يعادل ما قيمته ال 100 دولار شهرياً، أي 30 ألف ليرة سورية.