كان مسؤولو النظام السوري، يتبارون في التصريحات الخاصة بالخبز السوري، ويقولون إن الخبز خط أحمر، أي انهم لن يرفعوا سعره، وقد سجل لرئيس حكومة النظام السابق ناجي العطري تصريحات عدة تصبّ في هذا المنحى. حتى أن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك السابق في حكومة النظام سمير قاضي أمين ذكر لموقع «الاقتصادي» عام 2014: «إنّ الحكومة لا تفكر بزيادة سعر مادة الخبز، وهو خط أحمر». وفعلاً عندما بدأت الاحتجاجات السورية في منتصف آذار 2011 كان سعر ربطة الخبز 15 ليرة، بوزن 1.5 كيلوغرام. ولكن هذا التصريح وغيره سيتم تجاوزه بتصريحات أخرى مناقضة، فقد شهد الخبز ارتفاعات عدة في سعره خلال السنوات الثلاث الأخيرة لا سيما بعد تدهور قيمة الليرة السورية، وكان آخرها الغلاء الذي حدث بتاريخ 17/1/2015 حيث رفع بقرار واحد أسعار المازوت والفيول الغاز والخبز. وتناقلت وسائل إعلام النظام قرار الغلاء ومفاده: «أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قراراً بتوحيد سعر ليتر المازوت للقطاعين العام والخاص ب 125 ليرة سورية بما فيها لأغراض التدفئة والنقل، كما حددت الوزارة سعر أسطوانة الغاز المنزلي ب 1500 ليرة وسعر الطن الواحد من الفيول ب 85 ألف ليرة سورية، كما رفعت سعر ربطة الخبز من 25 ليرات إلى 35 ليرة». وبعد الغلاء الأخير بشهرين، تغيرت نوعية الخبز نحو الأسوأ، فلون الخبز الجديد صار أقرب إلى اللون البني، ويتفتت بعد ساعات من شرائه. تخبرنا المدرّسة «مريم» من محافظة حماة، بأن نوعية الخبز تراجعت كثيراً، وحيث تسكن تشهد أمكنة توزيع الخبز (البراكيات) ازدحامات هائلة، ومنذ أيام حدثت مشاجرة أثناء التوزيع تخللها إطلاق نار ما أدى الى إصابة امرأة برجلها، كما أن أمراضاً هضمية بدأت تصيب الناس هذه الأيام يعزوها أطباء المدينة لرداءة نوعية الخبز وقلة نظافة الطحين المستخدم بالأفران. وتذكر مريم أيضاً: هناك من رأى بقايا فئران في أرغفة الخبز، كما أن الناس تسخر هذه الأيام من خبز الأفران وتطلق عليه «زبلاوي». أما الخبز السياحي فوصل سعر الربطة إلى 250 ليرة سورية، ولكن عموم الناس لا تستطيع شراءه، إلا إذا انقطعت من خبز الأفران، أو ما يسمى أفران الدولة. أما عن تغير لون الخبز الذي وصف ب «الرغيف العجيب» عند شرائح اجتماعية فقيرة، تتحدث مصادر أن سببه سيطرة المعارضة المسلحة على معامل الخميرة واضطرار حكومة النظام لاستيراد خميرة «بودرة» من الصين نوعيتها رديئة ورخيصة، ولكن وقائع أخرى تناقض هذا الكلام تتحدث عن وجود الخميرة عند القطاع الخاص، واستمرار تصنيع الخبز السياحي من قبل الأفران الخاصة. وتقارن غياب الخميرة هنا ووجودها هناك وتتساءل عن السبب؟ أزمة الحصول على الخبز لم تقتصر على منطقة واحدة «وحديثنا عن المناطق التي يسيطر عليها النظام فقط»، فجريدة «النور» الناطقة باسم الحزب الشيوعي السوري الموحد نشرت تحقيقاً بتاريخ 7 تموز 2015 يذكر الكثير من معاناة أهل طرطوس «التي يوجد فيها 70 فرناً للقطاع العام». تذكر امرأة من قرية «جنينة رسلان» أنها تريد فقط أن تأخذ حقها الطبيعي في الوزن، فقديماً كان الفران يضع الخبز على الميزان أما هذه الأيام فصاحب الفرن يبيع على مزاجه. وذكر عدد من أهالي طرطوس أن قيمة النقص في الوزن في الكيس الذي يوضع فيه ثلاث ربطات يصل إلى ألف غرام، والحجة «الأقبح من ذنب» عند هؤلاء الباعة أثناء مناقشة الناس لهم هو غلاء سعر أكياس النايلون، لذلك ينقصون وزن الربطات الثلاث الى نحو الكيلوغرام. من المفيد أن نقول إن النظام السوري، لديه ألف مراقب تمويني فقط، هذا عندما كان يسيطر على كامل البلد، أما الآن فعدد مراقبي التموين انخفض بسبب الأوضاع الأمنية والعسكرية المتفاقمة، وتحدث مواطنون لنا أن الكثير من مراقبي التموين في طرطوس تعرضوا لعمليات اعتداء من قبل أشخاص مسلحين من «الدفاع الوطني» وذلك اثناء تفقدهم أفران القطاع العام. أما في دمشق فهناك تقارير منشورة تذكر إن إنتاج المخابز الاحتياطية بدمشق والتي يصل عددها إلى 18 فرناً يصل إلى 250 طناً يومياً بمعدل إنتاج 14 طناً لكل فرن يومياً وبخط إنتاج واحد. وهناك 53 فرناً خاصاً تنتج ما قيمته 103 أطنان يومياً، ويصل عدد المخابز الآلية إلى 6 أفران تنتج 120 طناً يومياً بمعدل 20 طناً لكل منها يومياً، وتعمل بعض الأفران بثلاثة خطوط، ليصل بذلك مجموع إنتاج الأفران الاحتياطية والخاصة والآلية إلى 473 طناً يومياً. وتشهد الكثير من هذه الأفران مشاجرات يومية تصل إلى حد استخدام السلاح الناري وإطلاق النار، حيث يرفض الكثير من حاملي السلاح من «اللجان الشعبية» أو عناصر الأمن الوقوف في الدور، فيدخلون في مواجهات مع عمال الأفران وأصحابها ومع العسكريين الذين ينتظرون دورهم للحصول على حصتهم من الخبز. وشهد فرن صحنايا الوحيد في ريف دمشق، والذي افتتح منذ عام فقط مواجهات بين مستثمريه، وعناصر الاستخبارات الجوية، وتعرض العاملون فيه للاعتقال والضرب، ويقول المهندس علي أن أسعار البيوت في الحي انخفضت بعد افتتاح الفرن والسبب هو المشاجرات النارية التي تحدث كل يوم، مشاجرات يقوم بها عناصر «اللجان الشعبية التابعة للفرقة الرابعة» وغيرهم من لجان، حيث يشترون كميات كبيرة من الخبز ولا يقفون بالدور ويشهرون السلاح ويطلقون النار في الهواء عند أول اعتراض على سلوكهم. النظام السوري ومنذ الأيام الأولى حول الخبز إلى أداة ليحارب بها خصومه من المتظاهرين المعارضين، حيث تناقل الموالاة رواية تقول بأن المعارضين يشترون كميات من خبز الأفران ويرمونها في مجاري الصرف الصحي، وهذه الرواية عرضتها قنوات موالية للنظام، وكانت الغاية منها الاساءة الى سمعة المعارضة، لما للخبز من دلالة دينية في الوجدان الشعبي. بينما كانت وقائع ومجريات الحرب التي يشنها النظام على معارضيه وإحساس الناس بالقلق الكبير والخوف، تؤدي بشرائح شعبية إلى شراء الخبز بكميات معينة لتخزينها في البيوت خشية توقف الأفران عن العمل، وكان النظام يصرّ على سياسة تشغيل الأفران بطاقتها القصوى، وذلك في المناطق التي يسيطر عليها، معتبراً وجود الخبز وتوافره جزءاً من وجوده وحضوره ك «دولة». النظام السوري بدأ يستورد الطحين، وكشف وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام ومنذ شباط 2014، أنّ الحكومة السورية تستورد يومياً 4 آلاف طن من مادة الطحين، بسعر 58 دولاراً للطن. ونشرت إحدى وكالات الأنباء منذ شباط 2014 تقريراً يؤكد تخطيط حكومة النظام لاستيراد مليون طن من القمح، معتمدة في تقريرها على مصادر في المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب. ومن المعروف أن النظام فقد سيطرته على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية مما أدى إلى انخفاض المشتريات المحلية بنحو النصف. وتحدث التقرير أن لدى النظام كميات من القمح من واردات سابقة ومن محصول محلي تكفي احتياجات الاستهلاك حتى منتصف عام 2015 وأن استيراد مليون طن ضروري لدعم احتياطها الاستراتيجي. اليوم معظم المحافظات التي تشكل سلة الخبر، وأهمها الرقة ودير الزور، تحت سيطرة «داعش». وتقلصت مراكز التجميع التابعة لمؤسسة الحبوب حيث يستطيع المزارعون توريد وبيع قمحهم من أكثر من 140 مركزاً الى 31 مركزاً فقط هذا العام. ولا تزال وسائل إعلام النظام بمختلف أنواعها تتحدث عن عدد الضبوط التموينية التي تكتبها بحق المخالفين، ولا تزال مواصفات رغيف الخبز ونوعيته رديئة وذلك في أفران القطاع العام «الاحتياطية والآلية»، بينما حكومة النظام تعيد العبارات ذاتها عن المليارات التي تصرفها في دعم الخبز، ولكنها تراجعت نهائياً عن جملة «الخبز خط أحمر».