قد يتمكن أبناء العقد الثالث من استرجاع حالة من النوستالجيا إثر متابعة مسلسل «ذهاب وعودة»، الذي عُرض للمرّة الأولى خلال الموسم الرمضاني الأخير، ويُعاد حالياً في عرض ثانٍ على بعض القنوات المحلية والفضائية. فالمسلسل يحتفي في شكل واضح بدور المخابرات المصرية وعملها داخل إسرائيل، الأمر الذي لم نره بهذا الشكل منذ رائعة صالح مرسي «رأفت الهجان». «ذهاب وعودة»، من تأليف عصام يوسف وإخراج أحمد شفيق وبطولة أحمد السقا وفريال يوسف ومجدي كامل وأحمد راتب وياسر جلال وآخرين. تبدو قصة المسلسل ساذجة إلى حد كبير، بحيث تبدأ بعملية خطف طفل صغير من داخل مول، هذا الطفل هو «ياسين» ابن خالد (أحمد السقا)، بعد تعريف مختصر بالشخصيات الأساسية، والإشارة إلى صراع بين «خالد» و «طارق» شريكه القديم. تبدأ المشكلة، والمشاهد يعرف سلفاً أن «خالد» سيستعيد طفله، مما يقتل فكرة التشويق، لتمضي الحلقات من ثمّ في سياق «تبييض» وجه الشرطة في شكل مبالغ فيه. فلو أن وزارة الداخلية المصرية أرادت أن تُقدم فيلماً دعائياً عنها، لن تقدمه كما حدث في المسلسل. فالداخلية بقيادات متعددة تتابع خطف الطفل بعد ثلاث ساعات فقط من خطفه. الإشارة إلى النفوذ والسلطة والمال هنا كانت خفية، كان الأبرز اهتمام الشرطة بالقضية. تمضي الأحداث لتقصي كل التطلعات خلف عملية الاختطاف، والتي تأتي من بينها تصفية حسابات العمل. يبدو خالد الأب مشاكساً منذ البداية. وعلى رغم أن الداخلية بأكملها تتحرك لكشف غموض القضية، لا يتوانى عن التحرك بنفسه بما يضيف تعقيدات لعمل الشرطة التي تبذل قصارى الجهد وفي وقت قياسي. هكذا تأخذ عملية الخطف مساراً مختلفاً عما كانت الجرائد تتحدث عنه، وهو التجارة بالأعضاء. فالطفل ياسين يمتلك فصيلة دم نادرة، تتشابه مع فصيلة دم ابن تاجر سلاح أميركي يعيش في إسرائيل، وهنا نكتشف الدوائر المتشابكة، شبكة فتيات ليل، وتواطؤهن في عملية الخطف، ثم نقل الطفل إلى قبرص، حيث يلتقي خالد مع سائق مصري، حتى يتيسر على فريق العمل التحدث بالعربية، إضافة إلى التحدث بالإنكليزية مع الأطراف الأجنبية. وتدخل المخابرات طرفاً في الصراع، وتدخل الأطراف الفلسطينية داعمةً للشاب المصري القادم متسللاً حتى يُنقذ ابنه. وفجأة تُصبح العساكر الإسرائيلية بملامح شرقية عربية، ويبدو خالد في مشهد استعراضي جداً، بعدما جرى مسافة كبيرة فيحتاج بعض الماء، وحين يلتقي ب «ليلى»، الفتاة الفلسطينية التي تساعده في الدخول إلى حيفا، تعطيه زجاجة ماء اسمها مكتوب بالعبرية، فيلقيها من نافذة السيارة مفضلًا العطش على أن يشرب من زجاجة ماء صناعة إسرائيلية! تُصبح كل الأطراف العربية والفلسطينية متعاونة داعمة، والمخابرات في كامل استعداداتها من أجل إنقاذ الطفل. المبالغات في النص قد لا يقبلها المشاهد الشاب، تحت سن الخامسة والعشرين مثلاً، ولكن من هم أكبر من ذلك ربما يمررونها بدعوى الحنين، على اعتبار أنهم جيل تربى على قراءة روايات رجل المستحيل، ومشاهدة المسلسلات بأبطالها الخارقين، وكان رأفت الهجان نموذجاً للوطنية في مراهقته. المبالغات ليست على مستوى الكتابة فقط، إنما أيضاً في عدد من اللقاءات الثنائية، وكانت اللقطات «البان» pan هي سيدة الصورة، وفيها كثير من المبالغة وانتفاء المبرر الدرامي. ينتهي المسلسل بعدما تتمكن المخابرات المصرية من استعادة الطفل، فضلاً عن إنقاذ والده من المآزق التي واجهها أثناء تنفيذ العملية. لم يكن في أداء الممثلين أي مجهود واضح. الشخصيات كانت أقرب إلى ما سبق أن قدمها كل واحد منهم. غالباً يحقق السقا حُلماً قديماً بأن يكون ضابط شرطة، ولأنه أصبح ممثلاً فهو يُقدم الدور، أو عندما يقدم شخصية أخرى فإنه لا بد أن يعطي تحية الشرطة في نهاية العمل. ما فعله في لقطة النهاية في فيلم «مافيا» فعله بالأداء نفسه في لقطة النهاية في «ذهاب وعودة»، على رغم أن الذي اضطلع بإنقاذ ابنه، هو المخابرات. وفي محاولة لتقويم المسلسل فهو عمل درامي عادي مليء بالمبالغات على مستوى الكتابة، والحرص على تقديم السقا كبطل لأعمال الأكشن.