لست بصدد البحث والاستطراد في قضية فاطمة ومنصور التي شارفت على حلها المعلوم عقلاً ومنطقاً منذ زمنها الذي نطقت فيه، ولكن إلى أين ستتجه بنا القضايا المقبلة المماثلة إن استيقظت أو أوقظت؟ تكافؤ النسب قضية عرف وتقليد ولغة عنصرية ليست طارئة على المجتمع، بل كانت تكبح ويُقضى عليها باكراً عبر السؤال عن الأب والجد ونبش الجذور وإحضار رمز اجتماعي بارز للشهادة بعمق الجذور وكفاءة النسب. لم تخرج هذه القضية أخيراً لقاعات المحاكم، وجلساتها المتلاحقة، ولم تتصدر أولى القضايا الاجتماعية المختلف عليها إلا لرغبة فئات حاسدة واستمتاعها بزرع الفتن والمشكلات، وجرح الحياة الأسرية الهادئة بما يعرقل مسيرتها ويعيدها لدائرة الفئة الحاسدة، التي تنغلق بخيرها على نفسها، ولكنها لا تسلم المجاورين من شرها. ليس لهذه القضية رؤية دينية تحتمل التأويل ولا الاستثناء، فهي من الوضوح بما يكفي، ولكنها لعنة العادات والتقاليد وحظوة القبيلة والتمييز في النسب، استناداً إلى قناعات ورؤى لا علاقة لابن الحاضر والمستقبل بصنّاعها في الماضي، أولئك الذين استندوا على أوضاع معيشية قاهرة حتمت على جزء منهم أن يتنازل من أجل أن يحيا ويعيش، فكان ضريبة هذا التنازل أن يذهب معه بالنَسَب والكفاءة إلى درجة أقل لا تسمح بالتواصل والتساوي إلا مع من كان بالمصادفة والظروف ذاتها في الدرجة نفسها. مثل هذه القضايا حين تكون محور صراع وجدال وإزعاج تشوه وجه المجتمع الناهض المتحمس لطمس كل ملامح التشويه، وتؤثر بالتدريج في عقليات القادمين، بل تعيدهم إلى الخلف وتنمي فيهم القبلية والعنصرية والطبقية في التوقيت الذي يقول فيه الطموحون الصادقون «وداعاً للجاهلية». حان الوقت لجرأة من منبر في إيضاح ما علق بهذه القضية وربطها بالدين من شتى الأوجه، ومساءلة المجتمع المتمسك بها عن أيهما أقوى؟ رأي الدين وخطوطه العريضة المتوازنة أم صوت العرف والعادة والتقليد الذي يتحدث بالنيابة؟ وإلى أي شيء نستند ونعود ونرجع ونصل بزاوية الحل إلى مأمن. أقدر كثيراً أننا مرتبطون أو مربوطون ولكم حرية الاختيار، بما تم التعارف عليه والسير بطريقه عبر ميزان اجتماعي قاسٍ تلتحفه في أحيان معينة رائحة العنصرية وعدم المساواة وفقد الرغبة في التحرر من الأفكار البالية والاتجاه لمساواة إنسانية عادلة، أقدر كل هذا ولكن في أسوأ الأحوال لنترك الفتنة نائمة ولا نوقظها، أو لنقُل كلمة الحق التي نعرفها مسبقاً قبل أن تقع الفأس في الرأس ونقتل قلوباً صغيرة هي حاصل منتظر من علاقة زوجية شرعية، ولكنها في الوقت نفسه - ومع قسوة القلوب ضحايا لتقييم اجتماعي وقرارات فردية غريبة - ليس لها مصدر تشريعي ثابت، وهو ما نجيد الهروب إليه كل ما ضاق بنا طريق ما. وقبل أن أنتظر إجابتكم عن السؤال العنوان، أخاف أن يقودنا الخوف من اللسان الاجتماعي للتسليم بالإجابة الأكثر اقتراباً من الذهنية المتابعة والقارئة للواقع، تلك التي تتسمر بعد علامة الاستفهام مباشرة بما فيها من علامات الضعف والاستسلام «مستحيل». [email protected]