مجموعة من الأسئلة هي نفسها تتكرر فيما يختص بالمرأة والإسلام، تتركز في محاور واحدة وإن اختلفت صياغتها: التعدد، الطلاق، الشهادة، زواج المسيار، مفهوم الاختلاط ، وسأفرد مقال اليوم عن شهادة المرأة باعتبارها من الشبه الموجهة ضد الشريعة الإسلامية إذ إن الله تعالى يقول «واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى»، ولمناقشة هذا الرأي تأمل معي الآتي :- * الشهادة في العربية تعني الخبر القاطع، والشاهد حامل الشهادة، ومؤديها، لأنه مشاهد لما غاب عن غيره. * وهي بهذا المعنى تكليف لا تشريف، وليست في المفهوم الإسلامي حقًا يتزاحم عليه الناس؛ وإنما هي عبء ثقيل يتهرب الشاهد منه؛ لأن الشاهد يشهد، وغيره يقبض؛ فكان متوقعًا تهرب الناس منها، فنهاهم الله عن ذلك فقال «ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا». * انطلاقًا من مفهوم الشهادة في الإسلام، وحرصاً على أدائها بصدق وأمانة، عزز الإسلام الشهادة مطلقاً، فعزز شهادة الرجل بشهادة رجل آخر، ومع ذلك لم يعتبر أحد أن هذا مسيس بكرامة الرجل، وعند عدم توفر الشاهدين من الرجال، والاحتياج إلى شهادة المرأة، عززت شهادة الرجل بامرأتين، والآية عللت اشتراط المرأتين بقوله تعالى «أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى». يقول الزنداني: «...وقد ظهر اليوم السر في ذلك، والحكمة من هذا التشريع، عندما عرف أن للرجل مركزاً في مخه للكلام في أحد الفصين، ومركزاً للذاكرة في الفص الآخر... فإذا اشتغل مركز الكلام عند الإدلاء بالشهادة، فلا يؤثر في المركز المتخصص بالذاكرة، لكن المرأة لها مركزين في فصي المخ مختلطين يعملان لتوجيه الكلام وللذاكرة، فإذا تكلمت المرأة اشتغل المركزان بالكلام، وقد يؤثر ذلك في الجزء من الذاكرة التي فيها المعلومة المطلوبة للشهادة». وبالشهادة تستحل الدماء والأنفس والأعراض والأموال، فهل تعجب أن أمر الإسلام بالاستيثاق فيها؟! * ثم إن للشهادة في الإسلام أحكام منها: ما لا يقبل فيه إلا شهادة أربعة رجال وذلك على رؤية الزنا لقوله تعالى «لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء». ومنها ما يطلع عليه الرجال في الغالب ولا يقبل فيه أقل من رجلين، قال ابن شهاب: مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، ومن الخليفتين من بعده أنه لا تجوز شهادة النساء في النكاح ولا في الطلاق ولا في الحدود. منها كذلك المعاملات المالية، لا يقبل فيها أقل من رجلين أو رجل وامرأتين، ونقل ابن قدامة الإجماع على ذلك؛ لآية الدين في سورة البقرة. وهناك مسائل لا تسمع فيها شهادة الرجل، وتسمع فيها شهادة المرأة لوحدها، وهي القضايا التي تختص بها النساء، قال ابن قدامة: «قال القاضي: والذي تقبل فيه شهادتهن منفردات خمسة أشياء: الولادة، والاستهلال، والرضاع، والعيوب تحت الثياب كالرتق والقرن والبكارة والثيابة والبرص، وانقضاء العدة». ودليله حديث عقبة بن الحارث أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز، فأتته امرأة فقالت: قد أرضعت عقبة والتي تزوج. فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني، فأرسل إلى آل أبي إهاب يسألهم، فقالوا: ما علمنا أرضعت صاحبتنا. فركب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله، فقال رسول الله «كيف وقد قيل؟» ففارقها ونكحت زوجًا غيره. والمرأة تساوي الرجل في شهادات اللعان بنص القرآن. وأعتقد أن أي منصف يقرأ ما تقدم يرى أن النسب الذي هو إحدى الضرورات الخمس التي جاء الإسلام بالحفاظ عليها، يثبت بشهادة امرأة واحدة، وكذلك الفراق بين الزوجين يثبت بشهادة المرضعة الثقة؛ فأيّهما أعظم شأنًا أن تشهد على حفنة من دريهمات، أو تشهد على قضايا خطيرة تحدد مصير أقوام؟ إن الشهادة في الإسلام يراعى فيها جانب المران والخبرة؛ لأنهما يؤثران في الضبط وعدم النسيان، وليست العبرة في الضبط من عدمه بالقلة من النساء أو الرجال وإنما العبرة بالغالب، ولذا وزع الإسلام الأدوار، وبين اختصاص كل جنس بما يحسن، فالمرأة في الغالب لا تلقي بالا ً للمعاملات المالية بخلاف الرجل، ولا يتيسر لها أن تحضر مجالس الخصومات التي تنتهي بجرائم القتل وما أشبهها، وإذا حضرتها قلّ إن تستطيع البقاء إلى أن تشهد جريمة القتل إلى نهايتها لتروي تفاصيلها، والحدود تدرأ بالشبهات، في حين أنها تضبط مسائل النساء، فعلينا أن نتأمل النصوص الشرعية لندرك روعة التكامل الذي تحويه. * داعية، وأكاديمية في الشريعة. [email protected]