تتقاذف الشباب الأردني مشاكل خطيرة تدفعه إلى السير في مسالك مجهولة، حيث تتنازعه معارك الفقر، والبطالة، وضعف الأجور، وعدم جودة التعليم. وتلقي هذه العوامل مجتمعة بثلث الشباب الأردني إلى وظائف رديئة الأجور، وبثلثه الثاني إلى الشارع وصفوف البطالة، في الوقت الذي لا يجد فيه الثلث الثالث غير الهجرة في ظروف سيئة لأن الدول الغنية بمعظمها أوصدت أبوابها أمام الفقراء وفضلت عليهم أصحاب الشهادات والخبرات. ولا يجد هؤلاء الشباب غير «سماسرة الهجرة» الذين ينشطون في سوق بيع «الأحلام»، ليكونوا ضحاياه، بعد أن يحملوا أرواحهم على أكفهم وهم يطاردون خيط دخان، لشراء «الأمل»، لكنهم لا يلبثون أن يكتشفوا أنهم لم يحصلوا سوى على «أوهام»، بعد ان لا يتجاوز مصيرهم خيار الموت غرقاً في البحار، أو الاعتقال في سجون «بلاد السمن والعسل». شباب أثقل كاهلهم ضنك العيش، فسارعوا إلى دفع "تحويشة" العمر، دون أن يدروا أنهم اشتروا أكاذيب غالباً ما تفضي بهم إلى طريق الموت أو الضياع في البحار والغابات الأوروبية. وعلى رغم عدم توفر إحصائية لدى الشرطة الأردنية عن عدد الشباب الأردني المهاجر، الذي قضى في البحار بحثاً عن بلاد العسل، إلا ان مؤسسات معنية بالشباب تؤكد أن هناك العشرات ممن قضوا من بين آلاف الشباب الذين تمكنوا من النجاة بقوارب الموت. ووفق مسح أجراه فريق الأممالمتحدة القطري في الأردن أخيراً وشمل نحو 45 ألف مواطن، فقد أظهر أن «نسبة الشباب الذين يرغبون بالهجرة للخارج بشكل دائم تصل إلى 34 في المئة». ويؤكد المسح ان توفير فرص عمل أفضل يقع على رأس أولوياتهم، يليه توفير تعليم أفضل وتجويده، ثم «نزاهة الحكومة»، وتوفير رعاية صحية أفضل. وبين أن الشباب «يعاني من نسبة بطالة عالية حالياً، حيث تظهر البيانات الحديثة أنّ معدل البطالة بلغ 30.1 في المئة بين الفئة من 20-24 عاماً، وللخريجات 68 في المئة، ما يساهم في إثارة القلق المتزايد بين الخريجين الشباب الذين يحاولون دخول سوق العمل، حيث أظهر ان نحو 600 ألف شاب أردني يعملون في الخارج. ويؤكد الشاب محمد المستريحي ان إيجاد فرصة عمل لا يحل مشكلة الشاب المتعطل من العمل، اذ ان ضعف الأجور تدفعه إلى ترك هذا العمل بعد شهر من العثور عليه، ومحاولة البحث عن فرصة عمل خارج الوطن توفر له ولعائلته الحياة الكريمة. ويشير المستريحي إلى ان معظم الشباب الذين يعرفهم وخصوصاً من خريجي الجامعات لا يبحثون عن عمل في الأردن، مؤكداً أنهم يصرفون معظم وقتهم في البحث عن سماسرة عقود العمل أو تأشيرات الهجرة إلى اوروبا واميركا. ويؤكد أحمد الاخرس وهو خريج إدارة أعمال بأن العمل في الأردن أصبح لا معنى له بعد عشرة اعوام من البطالة، مشيراً إلى ان الراتب في اي وظيفة حكومية او قطاع خاص لخريج جديد لكن عمره تجاوز الثلاثين بسبب البطالة، لم يعد يكفيه مصاريفه الشخصية، مع ثبات الرواتب وتضخم الأسعار. ويشير «المرصد العمالي» التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية إلى أن مؤشرات دائرة الاحصاءات العامة الأردنية للنصف الثاني من عام 2014، تشير إلى أن معدلات البطالة بين الشباب من بين أعلى المستويات في العالم، إذ تبلغ 36.8 في المئة للفئة العمرية بين 15- 19 عاماً من غير الجالسين على مقاعد الدراسة، و30.8 في المئة للفئة العمرية بين 20– 24 عاماً من غير الجالسين على مقاعد الدراسة. وأرجعت ورقة أعدها المركز ذلك إلى ضعف السياسات الاقتصادية والتعليمية وسياسات التشغيل وعدم مواءمتها لواقع وحاجات المجتمع ومتطلبات تطوره، والتي تعكس حالة اغتراب يعاني منها العديد من مطوري هذه السياسات ومنفذيها عن واقع التحديات الحقيقية التي يواجهها المجتمع الأردني. وأوضحت أن مختلف الخطط والسياسات والدراسات الرسمية تقوم على فرضية أن المجتمع الأردني ينتج سنوياً ما بين 60-70 ألف طالب عمل جديد، وهم الداخلون الجدد إلى سوق العمل، لذلك تقوم السياسات الرسمية على وضع خططها لتوفير هذا العدد سنوياً من الوظائف والواقع الحقيقي يختلف عن ذلك كثيراً، فالمجتمع ينتج أكثر من 100 ألف طالب عمل جديد، ونظرة سريعة على أعداد الأردنيين خريجي الجامعات الأردنية والعربية والأجنبية والمعاهد الفنية والمهنية، إلى جانب الشباب الذين لا يكملون تعليمهم الفني والمهني خاصة أولئك الذين يخفقون في امتحان الثانوية العامة (التوجيهي) تبين أن أعدادهم أكثر من ذلك. إلى جانب ذلك تعاني قطاعات واسعة من الشباب من ضعف جودة التعليم الأساسي والثانوي وما بعد الثانوي الذي يتلقونه ما ينعكس سلباً على مهاراتهم المعرفية والفنية الأساسية. واعتبرت الورقة بيئة العمل في غالبية القطاعات الاقتصادية الأردنية "غير لائقة"، فالانخفاض الملموس في مستويات الأجور أبرز سماتها، إذ إن معدل الأجور يتراوح بين 420 ديناراً(710 دولارات) شهرياً وفق الدائرة و460 ديناراً (740 دولاراً). وتبلغ رواتب نحو 60.4 في المئة من العاملين بأجر ومشتركين في الضمان 400 دينار(700) دولار فما دون، في حين أن خط الفقر المطلق للأسرة المعيارية في الأردن يقارب 400 دينار شهرياً، منهم 37.2 في المئة تبلغ أجورهم 300 دينار فأقل.