تعد ظروف العمل «غير الصديقة» التي تعاني منها سوق العمل الأردنية عامل طرد للمرأة من قطاع العمل، بسبب تعرض النساء عموماً لانتهاكات في حقوقهن الأساسية أكثر من الرجال. وما يعمق من أزمة العمل لدى النساء وجود فجوة في الراتب لمصلحة الذكور، على رغم أن معدلات الأجور في الأردن ما زالت منخفضة جداً، وفق آخر المؤشرات الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة في المملكة. وأكثر ما يثير غضب ليان أبو هنطش التي تعمل في إحدى الوزارات الخدمية، أن راتبها يقل 40 ديناراً عن راتب زميلها الذي يحمل المؤهل ذاته والذي عُيّن معها في الوقت عينه، لكن مديرها يعزو الأمر إلى العلاوة العائلية. وتعبر ليان عن اشمئزازها من التمييز بينها وبين زملائها الذكور، خصوصاً أنها ربة منزل مثلهم. ويبلغ متوسط أجور العاملين الشهري في القطاع العام 412 ديناراً، وفي القطاع الخاص 338 ديناراً، علماً أن الدولار الأميركي يساوي 70 قرشاً أردنياً. وتتعرض النساء العاملات في القطاع الخاص لانتهاكات وتجاوزات مخالفة لنصوص قانون العمل الأردني، إذ تعمل أعداد كبيرة منهن أكثر من 8 ساعات يومياً، مع حرمان هذه الأعداد من أي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي. إلى ذلك، ثمة نساء كثيرات منهن يحصلن على أجور تقل كثيراً عن الحد الأدنى للأجور والبالغ 190 ديناراً، ولا يتمتعن بالاستقرار الوظيفي... وغيرها من شروط العمل اللائق. تقول الصحافية حنان العواملة إنها اضطرت إلى البقاء في البيت بعدما اكتشفت أن مدير الموقع الإلكتروني الإخباري الذي وقعت عقد عمل معه يريد منها أن تعمل أكثر من 12 ساعة بحجة أن مصلحة العمل وطبيعته تتطلبان منها ذلك. وتؤكد حنان أنها تركت العمل بعد يومين من البدء به، «لأنه أفضل لي أن أجلس في البيت وأشاهد المسلسلات، على أن أخدم آخرين بملاليم لا تصل حتى إلى الحد الأدنى للأجور، وعلى حساب صحتي وحياتي الاجتماعية». وعلى رغم أن النساء الأردنيات يشكلن نسبة 51 في المئة من طلاب البكالوريوس في مختلف الجامعات الأردنية، وفق أرقام 2011، فإن إحصاءات المرصد العمالي الأردني يشير إلى أن معدل المشاركة الاقتصادية للمرأة الأردنية في نهاية عام 2011 ما زال منخفضاً جداً ويبلغ حوالى 14.9 في المئة، مقارنة ب64.8 في المئة عند الذكور. ويعد ضعف دور المرأة في الحياة الاقتصادية الأردنية أحد المشكلات الأساسية التي يواجهها الاقتصاد الوطني، لكونه يحرم طاقات إنتاجية كبيرة من المساهمة في بناء الاقتصاد وتطويره، كما يزيد من نسبة الإعالة في المجتمع الأردني، بحيث يعيل كل مواطن أربعة آخرين، وهذه النسبة تعد أيضاً من أعلى النسب عالمياً. وتتأثر معدلات المشاركة الاقتصادية للمرأة في الأردن بالحال الاجتماعية وعدد أطفالها وأعمارهم، ومدى توافر الخدمات المتعلقة بالمرأة العاملة، وخصوصاً دور الحضانة. كما يتأثر حجم قوة العمل النسائية إلى حد كبير بعمر المرأة وزواجها، ويزداد انسحاب المرأة من سوق العمل مع ارتفاع عدد العاملات المتزوجات وإنجابهن لاحقاً. وتكشف الأرقام الصادرة عن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي أن نسبة النساء المشتركات في المؤسسة تبلغ حوالى 25.3 في المئة من مجمل المشتركين في المؤسسة. ووفق دراسة عن فرص العمل التي استحدثها الاقتصاد الأردني في النصف الأول من عام 2010، تبين أن 25 في المئة من فرص العمل كانت للنساء، وأن معدلات البطالة عند النساء الأردنيات (18,3 في المئة) أعلى منها عند الرجال (10,7 في المئة). ويوضح المرصد العمالي الأردني أن الغالبية الساحقة (95 في المئة) من النساء العاملات في الأردن تتركز في ثلاثة قطاعات اقتصادية من أصل 13. وهذه القطاعات الثلاثة تتمثل في الإدارة العامة والتعليم والصحة والعمل الاجتماعي. وتقر رئيسة الاتحاد النسائي الأردني العام نهى المعايطة بوجود حقوق ما زالت منقوصة للنساء العاملات في الأردن، على رغم أن البلاد خطت خطوات ملموسة تجاه تعديل بعض القوانين المجحفة بحق المرأة في مجال العمل، لجهة عدم مراعاة حقها في الضمان الاجتماعي، وتحديد ساعات العمل وإعطاء مجالات لإجازات الأمومة وساعات الرضاعة. وتشير المعايطة إلى ضرورة تفعيل صندوق الأمومة في الضمان الاجتماعي ليساعد المرأة على العمل بطرق أرحب ومجالات أكثر اتساعاً. وتؤكد غرفة الصناعة في عمان أن مشاركة المرأة في سوق العمل الأردني منخفضة، إذ يحتل الأردن المرتبة 142 من أصل 144 دولة في تقرير التنافسية العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي العام الماضي حول مؤشر مشاركة الإناث في القوى العاملة، والمرتبة 121 من أصل 135 في تقرير فجوة النوع الاجتماعي العالمي. وفي ما يتعلق بنسبة النساء العاملات وفق المستوى التعليمي، أوضحت دراسة الضمان الاجتماعي أن أعلى نسبة عمالة بين النساء (41,3 في المئة) عند المستوى التعليمي هو بكالوريوس فأعلى، تليها نسبة حاملات الديبلوم المتوسط (22.3 في المئة). وبيّنت الدراسة أن أعلى نسبة عمالة للنساء هي في قطاع التعليم، إذ بلغت 42.7 في المئة، تليها الصناعات التحويلية ب16.2 في المئة وفي الصحة والعمل الاجتماعي 12.4 في المئة. أما في قطاع الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات، فبلغت نسبة الإناث العاملات فيه 7.15 في المئة. وهذا يظهر أن المرأة تتجه إلى العمل في القطاعات التي تحتاج إلى مهارات ومستويات تعليمية عليا. ويشكل عمل المرأة حوالى 15.7 في المئة من متوسط دخل الفرد في المملكة. وبينت الدراسة أن محافظة البلقاء هي الأعلى في نسبة مساهمة المرأة في دخل الأسرة، إذ بلغت 21.8 في المئة، تليها محافظة الكرك (17.3 في المئة) ثم محافظة معان (16.8 في المئة)، فمحافظة المفرق (16.4 في المئة)، فالعاصمة (12.8 في المئة)، وأقلها في محافظات عجلون (12,2 في المئة) والزرقاء (12,8 في المئة) وجرش (12,6 في المئة).